وخلاصة ما قالوا ـ ربنا لا تسلّطهم علينا فيفتنونا ، ولا تفتنا بهم فنتولى عن اتباع نبينا أو نضعف فيه فرارا من شدة ظلمهم لنا ، ولا تفتنهم بنا فيزدادوا كفرا وعنادا وظلما بظهورهم علينا ويظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل.
وقد دلت التجارب على أن سوء حال المؤمنين من ضعف أو فقر تجعلهم موضعا لافتتان الكفار بهم ، باعتقاد أنهم خير منهم كما جاء فى قوله : «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ»؟.
(وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي وبحنا برحمتك فخلّصنا من أيدى القوم الكافرين قوم فرعون ، لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم فى المهن الحقيرة ، ومثل هذا قوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم والدين آمنوا معه : «رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) أي وقلنا لهما : اتخذا لقومكما بيوتا فى مصر تكون مساكن وملاجىء تعتصمون بها.
(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي واجعلوا بيوتكم متقابلة فى وجهة واحدة.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فيها متجهين إلى جهة واحدة ، لأن الاتحاد فى الاتجاه يساعد على اتحاد القلوب.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بحفظ الله إياهم من فتنة فرعون وملئه الظالمين لهم وتنجيتهم من ظلمهم.
وإنما خص موسى بالتبشير لأن بشارة الأمة وظيفة صاحب الشريعة ، وأشرك معه هرون فى أمر قومهما بالتبوؤ لأنه مما يتولاه الرؤساء بتشاور بينهم ، فهو تدبير عملى يقوم به هو ووزيره المساعد على تنفيذه.