(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) أي ولو شاء ربك أن يؤمن أهل الأرض كلهم جميعا لآمنوا بأن يلجئهم إلى الإيمان قسرا ، أو يخلقهم مؤمنين طائعين كالملائكة لا استعداد فى فطرتهم لغير الإيمان.
وجاء فى معنى الآية قوله «وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا» وقوله «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً».
وخلاصة ذلك ـ أنه لو شاء ربك ألا يخلق الإنسان مستعدا بفطرته للخير والشر والإيمان والكفر ، ومرجحا باختياره لأحد الأمور الممكنة على ما يقابله بإرادته ومشيئته ـ لفعل ذلك ، ولكن اقتضت حكمته أن يخلقه هكذا يوازن باختياره بين الإيمان والكفر ، فيؤمن بعض ويكفر آخرون.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي إن هذا ليس بمستطاع لك ولا من وظائف الرسالة التي بعثت بها أنت وسائر الرسل الكرام كما قال تعالى «إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ» وقال «وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» وقال «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ».
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي وما كان لنفس بمقتضى ما أعطاها الله من الاختيار والاستقلال فى الأفعال ، أن تؤمن إلا بإرادة الله ومقتضى سننه فى الترجيح بين المتقابلين ، فالنفس مختارة فى دائرة الأسباب والمسببات ، ولكنها غير مستقلة فى اختيارها استقلالا تاما ـ بل مقيدة بنظام السنن والأقدار الإلهية.
(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي وإذا كان كل شىء بإذنه وتيسيره ومشيئته التي تجرى بقدره فهو يجعل الإذن وتيسير الإيمان للذين يعقلون آياته ويوازنون بين الأمور ، فيختارون خير الأعمال ويتقون شرها ، ويرجّحون أنفعها على أضرها بإذنه تعالى وتيسيره ، ويجعل الخذلان والخزي المرجح للكفر والفجور على الذين لا يعقلون ولا يتدبرون ، إذ هم لخطل رأيهم وسلوك سبيل الهوى يرجحون الكفر على الإيمان والفجور على التقوى.