المعنى الجملي
لما وصف الله هؤلاء المشركين بترك التدبر والإصغاء وتكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن قبل أن يأتيهم تأويله ـ قفّى على ذلك بالوعيد بما سيكون لهم من الجزاء على هذا يوم القيامة.
الإيضاح
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) الساعة يضرب بها المثل فى القلة : أي وأنذرهم أيها الرسول يوم يجمعهم الله بالبعث بعد الموت ويسوقهم إلى مواقف الحساب والجزاء ، وكأنهم لم يلبثوا فى الدنيا إلا مدة قليلة ثم تقضّت.
وخلاصة ذلك ـ إن هذه الدنيا التي غرّتهم بمتاعها الحقير الزائل قصيرة الأمد ستزول بموتهم ، وسيقدّرون يوم القيامة قصرها بساعة من النهار لا تسع لأكثر من التعارف.
والآية بمعنى قوله : «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ ، لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ». وقوله : «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ ، كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ». وقوله : «قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ ، قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أي إن هؤلاء آثروا الحياة القصيرة المنغّصة بالأكدار السريعة الزوال على الحياة الأبدية بما فيها من النعيم المقيم ، فلم يستعدوا لها ويعملوا الأعمال الصالحة التي تزكى نفوسهم وتهذب أرواحهم ، فخسروا السعادة فيها وما كانوا مهتدين فيما اختاروه لأنفسهم من إيثار الخسيس الزائل على النفيس الخالد.