وفى هذا الأسلوب من التأكيد واستحقاق المجاهدين للثواب ما لا يخفى ، إذ جعلهم مالكين معه ومبايعين له ومستحقين الثمن الذي بايعهم به ، وأكد لهم أمر الوفاء وإنجاز وعده.
وعن جعفر الصادق أنه قال : ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها.
يريد أن الذي يقتل أو يموت فى سبيل الله بذل بدنه الفاني ، لا روحه الباقي.
ثم وصف الله هؤلاء المكملة من المؤمنين الذين باعوا أنفسهم وأموالهم بجنته بصفات هى :
(١) (التَّائِبُونَ) أي هم الراجعون إلى الله بتركهم كل ما يبعد عن مرضاته ، وتوبة الكفار هى رجوعهم عن الكفر الذي كانوا عليه كما قال : «فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ» وتوبة المنافق تكون بترك نفاقه ، وتوبة العاصي من معصيته تكون بالندم على ما حصل منه والعزم على عدم العود لمثله كتوبة من تخلف عن غزوة تبوك من المؤمنين ، وتوبة المقصّر فى شىء من البر وعمل الخير تكون بالاستزادة منه ، وتوبة من يغفل عن ربه تكون بالإكثار من ذكره وشكره.
(٢) (الْعابِدُونَ) لله المخلصون فى جميع عباداتهم ، فلا يتوجهون إلى سواه بدعاء ولا استغاثة ولا يتقربون إلى غيره بعمل قربان ولا طلب مثوبة فى الآخرة.
(٣) (الْحامِدُونَ) لله فى السراء والضراء ، روى عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه الأمر يسرّه قال «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» وإذا أتاه الأمر يكرهه قال : «الحمد لله على كل حال».
(٤) (السَّائِحُونَ) فى الأرض لغرض صحيح كعلم نافع للسائح فى دينه أو دنياه ، أو نافع لقومه وأمته ، أو النظر فى خلق الله وأحوال الأمم والشعوب للاعتبار والاستبصار وقد حث الله كثيرا على السير فى الأرض والضرب فيها كما قال «أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ».