منهم فى هذه الغزوة وغيرها لبلائهم الحسن فيها ، ولأنهم لم يصروا على شىء منها.
وقد كانت هفواتهم على سنن الطباع البشرية واجتهاد الرأى فيما لم يبينه الله بيانا قطعيا بحيث يعد مخالفه عاصيا ، وقد فسر ابن عباس التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا بقوله فى سياق هذه الغزوة «عفا الله عنك ـ لم أذنت لهم؟» أي إن التوبة كانت من اجتهاد لم يقره الله عليه إذ غيره كان خيرا منه ، وتوبة المهاجرين والأنصار ، وهم خلّص المؤمنين كانت من تثاقلهم فى الخروج حتى ورد الأمر الحتم والتوبيخ على التثاقل إلى الأرض ، ومنهم من كان ذنبه السماع للمنافقين فيما كانوا يبغون من فتنة المؤمنين.
وتوبة الله على عباده توفيقهم للتوبة وقبولها منهم ، وإنما يتوبون من ذنب ، وما كل ذنب معصية لله عز وجل.
(الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) أي الذين اتبعوه ولم يتخلفوا عنه وقت الشدة والضيق ، وكانت عسرة فى الزاد إذ كان الوقت نهاية فصل الصيف الذي نفدت فيه مئونتهم من التمر ، وأول فصل الخريف الذي بدأ فيه إرطاب الموسم الجديد ، ولا يمكن حمل شىء منه ، فكان يكتفى الواحد منهم أو الاثنان بالتمرة الواحدة من التمر القديم ومنه المدوّد واليابس ، ومنهم من تزوّد بالشعير المسوس والإهالة (الشحم المذاب) الزنخة المتغيرة الرائحة ـ وعسرة فى الماء حتى كانوا ينحرون البعير على قلة الرواحل ليعتصروا الفرث الذي فى كرشه ويبلّوا به ألسنتهم ـ وعسرة فى الظهر (فى الإبل) حتى كان العشرة يتعقبون بعيرا واحدا ـ وعسرة فى الزمن إذ كان فى حرارة القيظ (شدة الحر).
قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه فى ساعة العسرة : عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة الماء ، وقال ابن عباس لعمر رضى الله عنهم : حدّثنا من شأن ساعة العسرة ، فقال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فى قيظ شديد فنزلنا منزلا