وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنير استنارة القمر ، أبشر يا كعب بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك ثم تلا علينا الآية».
وفى هذه القصة عبرة للمؤمنين تخشع لها قلوبهم وتفيض لها عبراتهم ، وقد كان لإمام أحمد لا يبكيه شىء من القرآن كما تبكيه هذه الآيات.
انظر إلى هذا وتأمل قسوة قلوب الجاهلين المغرورين ، الذين يقترفون الفواحش والمنكرات ، ويتركون الفرائض ويصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ولا يتوبون إلى الله ولا هم يذّكرون ، وإذا وعظهم الواعظ وجدهم بين جازم بالمغفرة والعفو عنه ، ومتكل على شفاعة الشافعين له ، ومنهم من يحفظ من أخبار مكفرات الذنوب مما لا أصل له فى الدين ، أو له أصل يراد به تكفير الصغائر بشرط اجتناب الكبائر ، كما قال تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أي يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله اتقوا الله وراقبوه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه ، وكونوا فى الدنيا من أهل ولايته وطاعته تكونوا فى الآخرة مع الصادقين فى الجنة ، ولا تكونوا مع المنافقين الذين يتنصلون من ذنوبهم بالكذب ويؤيدونه بالحلف.
أخرج الحاكم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، ولا يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له ، اقرءوا إن شئتم : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» وأخرج البيهقي مرفوعا «إن الصدق يهدى إلى البرّ ، وإن البر يهدى إلى الجنة ، وإن الكذب يهدى إلى الفجور ، وإن الفجور يهدى إلى النار ، إنه يقال للصادق : صدق وبرّ ، ويقال للكاذب : كذب وفجر ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا ، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا».
ولا رخصة فى الكذب إلا لضرورة من خديعة حرب ، أو إصلاح بين اثنين ، أو رجل يحدّت امرأته ليرضيها ، أي فى التحبب إليها بوصف محاسنها ورضاه عنها ، لا فى مصالح الدار والعيال وغيرها.