(وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) أي وضاقت أنفسهم على أنفسهم ، لما كانوا يشعرون به من ضيق صدورهم بامتلائها بالهمّ والغم حتى لا متسع فيها لشىء من البسط والسرور ، فكأنهم لا يجدون لأنفسهم مكانا ترتاح إليه وتطمئن به.
(وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) أي واعتقدوا أنه لا ملجأ من غضب الله ورسوله ، إلا إليه تعالى بالتوبة والاستغفار ورجاء رحمته ، وقد أعرض عنهم رسوله البرّ الرحيم بأصحابه ، فلم يكونوا يستطيعون أن يطلبوا دعاءه واستغفاره ـ إلى أنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع فى الدنيا ، ولا فى الآخرة إلا لمن ارتضى الله أن يشفع لهم.
(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) أي ثم عطف عليهم وأنزل قبول توبتهم.
(لِيَتُوبُوا) ويرجعوا إليه بعد إعراضهم عن هدايته ، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
(إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي إنه تعالى كثير القبول لتوبة التائبين ، الواسع الرحمة للمحسنين ، المتفضل عليهم بضروب النعم مع استحقاقهم لأعظم أنواع العقاب.
وكان من حديث هؤلاء الثلاثة ما حدثه كعب قال : «لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّمت عليه فرد علىّ كالمغضب بعد ما ذكرنى وقال : «ليت شعرى ما خلّف كعبا» فقيل له ما خلّفه إلا حسن برديه والنظر فى عطفيه فقال :
«معاذ الله ما أعلم إلا فضلا وإسلاما» ونهى عن كلامنا أيها الثلاثة فتنكر لنا الناس ولم يكلمنا أحد من قريب أو بعيد ، فلما مضت أربعون ليلة أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهن ، فلما تمت خمسون ليلة إذا أنا بنداء من ذروة سلع (جبل بالمدينة) أبشر يا كعب بن مالك فخررت ساجدا ، وكنت كما وصفني ربى و (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) وتتابعت البشارة ، فلبست ثوبى وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس فى المسجد وحوله المسلمون فقام إلىّ طلحة بن عبد الله يهرول حتى صافحنى وقال : لتهنك توبة الله ، فلن أنساها لطلحة ،