(أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا تعقلون أن من عاش أربعين سنة لم يقرأ كتابا ولم يلقّن من أحد علما ولم يتقلد دينا ولم يمارس أساليب البيان وأفانين الكلام من شعر ونثر وخطابة وفخر وعلم وحكمة ـ لا يمكنه أن يأتى بمثل هذا القرآن المعجز لكم ولجميع الدارسين لكتب الأديان ، فكيف تقترحون علىّ أن آتى بقرآن غيره.
وقد كان أكثر أنبياء بنى إسرائيل قبل نبوتهم على شىء من العلم كما قال تعالى فى موسى «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً» وقال فى يحيى «وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا».
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي إن شر أنواع الظلم والإجرام فى البشر شيئان :
(١) افتراء الكذب على الله ، وذلك بما اقترحتموه على الإتيان بقرآن غيره.
(٢) التكذيب بآيات الله بما اجترحتموه من السيئات.
وقد نعيت عليكم الثاني منهما ، فكيف أرضى لنفسى الأول وهو شر منه ، وإنّ أهم أغراض رسالتى الإصلاح ، ولأجله أحتمل المشاقّ ، وأقبل فى سبيله كل إرهاق ، فلا فائدة لى فى هذا الإجرام.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) أي إنه لا يفوز الذين اجترموا الكفر فى الدنيا إذا لقوا ربهم ولا ينالون الفلاح.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨))