يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ».
وهؤلاء لم يعلمه الله أعيانهم ولا فضحهم بأقوال قالوها ولا بأفعال فعلوها كما فضح غيرهم فى هذه السورة ، لأنهم يتحامون ما يكون شبهة فى إيمانهم ، وضررهم مقصور عليهم لا يعدوهم إلى سواهم.
والحكمة فى إخبارنا بحالهم أن يعلموا هم أنفسهم أن الله عليم بما يسرون من نفاقهم ، ويحذروا أن يفضحهم الله كما فضح سواهم ، وليتوب منهم من يتوب قبل أن يحل بهم ما أوعدهم به ربهم بقوله :
(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) أي سنعذبهم فى الحياة الدنيا مرتين : أولاهما ما يصيبهم به من المصايب وانتظار الفضيحة بهتك أستارهم. وثانيتهما آلام الموت وزهوق أنفسهم وهم كافرون ، وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم فى ذلك الحين ، ثم يردون يوم القيامة إلى عذاب جهنم وبئس المصير.
والخلاصة ـ إنهم يعذبون فى الدنيا بالعذاب الباطن بتوبيخ الضمائر وعذاب الخوف من الفضيحة على رءوس الأشهاد فى الظاهر ، ثم عذاب النار وبئس القرار.
وجملة القول ـ إن المنافقين فريقان : فريق عرفوا بأقوال قالوها وأعمال عملوها ، وفريق مردوا على النفاق وحذقوه حتى لا يشعر أحد بشىء يستنكره منهم.
وهذان الفريقان يوجدان فى كل عصر ، فما من قطر من الأقطار إلا منى أهله بأعوان وأنصار منهم يزعمون أنهم يخدمون أمتهم من طريق استمالة الغاصب واسترضائه ، وأنه لولاهم لتمادى فى ظلمه وهضم حقوق الأمة ولم يقف عند حد ، ومنهم من يخدمون المستعمرين خدمة خفية لا تشعر بها الأمة لأنهم مرنوا على النفاق.
وأشد المنافقين مرودا على النفاق أعوان الملوك المستبدين الذين يلبسون الباطل لباس الحق ويروجونه فى أعين الجماهير خدمة لأولئك الملوك.