(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) أي وهناك فريق آخر ممن حولكم من الأعوان ومن أهل المدينة ليسوا منافقين ولا من السابقين الأولين ، بل من المذنبين الذين خلطوا الصالح من العمل بالسيىء منه ، والسيّء بالصالح ، فلم يكونوا من الصالحين الخلص ولا من الفاسقين ، فهم قد آمنوا وعملوا الصالحات واقترفوا بعض السيئات كالذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك من غير عذر صحيح ؛ ولم يستأذنوا كاستئذان المرتابين ولم يعتذروا بالكذب كالمنافقين ، ثم كانوا حين قعودهم ناصحين لله ورسوله شاعرين بذنوبهم خائفين من ربهم.
وقد بين سبحانه حالهم بقوله :
(عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي إنهم محل الرجاء لقبول الله توبتهم بتوفيقهم للتوبة الصحيحة التي هى سبب المغفرة والرحمة ـ وإنما يكون ذلك بالعلم بقبح الذنب وسوء عاقبته ، وتوبيخ الضمير حين تصور سخط الله والخوف من عقابه ـ ثم الإقلاع عنه بباعث هذا الألم ، والعزم على عدم العود إلى قترافه ، والعزم على العمل بضده ليمحو أثره من نفسه.
ثم علل هذا بقوله :
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إنه تعالى يقبل توبتهم ، لأنه كثير المغفرة للتائبين ، واسع الرحمة للمحسنين.
وفى معنى الآية قوله : «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» وقوله : «إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».
قال جماعة من العلماء : إن هذه الآية أرجى آية فى القرآن فى توقع رحمة الله للمذنبين الذين يجترحون السيئات ثم يتوبون إلى ربهم ويقلعون عن ذنوبهم.
روى البخاري عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أتانى الليلة أي فى المنام ملكان فابتعثانى فانتهيا بي إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء ، وشطر كأقبح ما أنت راء ، قالا لهم اذهبوا فقعوا فى ذلك النهر ، فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء