وهذا كقوله : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» وقوله : «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقل للناس إنى من عند الله نذير ينذركم عقابه ، ويبشركم ثوابه على طاعته والإخلاص له.
وهذا بيان لوظيفة الرسالة ، ومبيّن لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي واسألوه أن يغفر لكم ما كان منكم من أعمال الشرك والكفر والإجرام ، ثم ارجعوا إليه بإخلاص العبادة له دون سواه مما تعبدون من دونه من الأصنام والأوثان فإن فعلتم ذلك واستغفرتم من كل ذنب وتبتم من الإعراض عن هدايته وتنكّب سننه ، يمتعكم فى دنياكم متاعا حسنا فيرزقكم من زينة الدنيا وينسألكم فى آجالكم إلى الوقت الذي قضى عليكم فيه الموت وهو العمر المقدر لكم فى علمه المكتوب فى نظام الخليقة وسنن الاجتماع البشرى فى عباده ، ولا يقطعه بعذاب الاستئصال ولا بفساد العمران ولا ينقصه ما ينقص من أدمن على الشرك والمعاصي.
ذاك أن الله ما حرم إلا الأشياء الضارة بالعقل أو بالصحة أو بنظام الاجتماع المالى أو البدني ، وإنما يكمل ضررها بإصرار فاعليها عليها ، فاذا أقلعوا عنها وندموا على ما فعلوا وبادروا إلى التوبة من قريب ، امتنع ذلك الفساد.
وهذه سنة مطردة فى ذنوب الأمم ، وهى فيها أظهر من ذنوب الأفراد ، فالمشاهد أن الأمم التي تصرّ على الظلم والفسوق والعصيان يهلكها الله تعالى فى الدنيا بالضعف والشقاق وخراب العمران حتى تزول منعتها وتتمزق وحدتها.
(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي وإن تجتنبوا الشرك وتؤمنوا بالله وتستغفروه يمتعكم متاعا حسنا تكونون به خير الأمم نعمة وقوة وعزة ويعط كل ذى فضل من علم وعمل جزاء فضله ، أما فى الآخرة فهو مطّرد دائما ، وأما فى الدنيا فقد يكون ناقصا مشوبا بأكدار ، ولا يكون مطردا لقصر أعمار الأفراد.