صاروا كأمس الدابر ، وأصبحوا أثرا بعد عين ، وإهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب جزاء ظلمهم بشركهم بالله ونقصهم للمكاييل والموازين ، فانتقم الله منهم بعذاب يوم الظلة ، وإهلاك أصحاب الحجر وهم ثمود الذين كذبوا صالحا وكانوا ذوى حول وطول ، وغنى ومال ، وقوة وبطش ، فأعرضوا عن آيات ربهم حينما جاءتهم على يدى رسوله ، فأخذتهم الصيحة وقت الصباح ولم يغن عنهم مالهم من دون الله شيئا حين جاء أمره.
أخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء بن أبى رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : «طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال : (ألا تراكم تضحكون) ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال : إنى لما خرجت من الباب جاء جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله يقول لك : لم تقنط عبادى (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه قال فى قوله (نَبِّئْ عِبادِي) الآية : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورّع من حرام ، ولو يعلم العبد قدر عذاب الله لبخع نفسه».
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله سبحانه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله تعالى من العذاب لم يأمن من النار».
الإيضاح
(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي أخبر أيها الرسول عبادى أنى أنا الذي أيستر ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا ، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها ، الرحيم بهم أن أعذبهم بعد توبتهم منها.