(تعالى شأنه) : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يس ، ٨٤) ، فالأولى ناطقة بأنّ الرقيقة تنزل من حقيقتها ، والثانية بأنّ الفرق بينهما بالقرآن والفرقان ، والثالثة بأنّ شيئا من الأشياء ما نزل بتمامه بل ملكوته بيده سبحانه. وبالجملة أنّ الأعضاء المعنوية هي أرواح الأعضاء الحسية مثل أنّ روح العين ما به يبصر فالعلم الحضوري بالمبصرات حقيقة العين؛ وروح اليد ما به يبطش فالقدرة على البطش بمجرد الهمة حقيقة اليد وهكذا. فالكامل حكاية للناقص بنحو الكمال ، والناقص حكاية للكامل بنحو النقصان لأنّ العلة حدّ تام للمعلول والمعلول حدّ ناقص للعلة.
قوله : «والذي يتيسّر لأكثر الناس» قد ذكر نظره هذا في تعقل النفوس في عدّة مواضع من الأسفار ، ولا يخفى عليك أنّ الحاكم على الاتحاد في الأمثلة التي أتى بها هاهنا هو العقل لا الحسّ والخيال. والصواب ما قدّمنا من أنّ الغبي الذي لا يعود عليه الفكر برادّة فهو بمعزل عن التعقل ، وأمّا سائر الناس فلهم التعقل على مراتبهم.
فتحصّل ممّا تقدم أنّ الصورة المعقولة سواء كانت صورة عرض أو صورة جوهر ، موجودة متشخّصة بتشخص خاص عقلاني ، أي ما هو مناط الشخصية هو بعينه مناط الكلية فلا منافاة بين الكلية والتشخص ، كما لا تنافي بين التعين العقلي والإبهام الخارجى الممنوّ بالمادة الطبيعية العنصريّة ، فتلك الكليات العقلية تكون مشارا إليها بالإشارة العقلية بحسب التعيّن العقلي ووجوده في العقل وأمّا من حيث إبهامه الخارجى فلا يقبلها؛ وأنّ تشخص الصورة المعقولة جار في المفارق والنفس الناطقة على السواء من حيث هو تشخص الصورة المعقولة وإن كان المفارق مفيضا والنفس مستفيضة؛ وأنّ الاشتراك الوجودى بمعنى تساوى نسبة الكلّى السعيّ الإحاطي إلى كثيرين أمر ، واشتراك ماهيتها المحمولة أي انطباقها على أفرادها الخارجية الذي هو من فعل النفس وحكمها أمر آخر؛ وأنّ للتعقل مراتب وهو يصح لأفراد الإنسان على مراتبهم إلّا الغبي الذي لا يعود عليه الفكر برادّة. ومن أخذت الفطانة بيده يعلم من هذه الأصول الرّصينة القويمة أنّ اعتراض حكمة العين كشبهة شارحها خارج عن صوب الصواب. فللّه الحمد وهو المبدأ وإليه المآب.