حينئذ علم كل شيء ، وصارت الأشياء كلّها بارزة لها كمثل ما هي بارزة للبارى عزّ وجلّ؛ لأنّا إذا كنّا ونحن في هذا العالم الدنس ، قد نرى فيه أشياء كثيرة بضوء الشمس ، فكيف إذا تجرّدت نفوسنا وصارت مطابقة لعالم الديمومية ، وصارت تنظر بنور البارى فهي لا محالة ترى بنور البارى كلّ ظاهر وخفيّ ، تقف على كل سرّ وعلانية.
أقول : وعلى هذا المنوال جاء في كتاب اخوان الصفاء :
أنّ النفوس السعيدة إذا فارقوا الأبدان صاروا ملائكة ، والنفوس الشقية إذا فارقوها صاروا شياطين وأجنّة ، وكما إذا غلب عليه الغضب والشهوة صار سبعا وبهيمة.
وكذا قال الشيخ البهائى في الأربعين :
والعجب منك انّك تنكر على عبّاد الأصنام عبادتهم لها ، ولو كشف الغطاء عنك ، وكوشفت بحقيقة حالك ، ومثل لك ما يمثل للمكاشفين إمّا في النوم أو اليقظة لرأيت نفسك قائما بين يدى خنزير ، مشمّرا ذيلك في خدمته ، ساجدا له مرّة ، وراكعا أخرى ، منتظرا إشارته وأمره؛ فمهما طلب الخنزير شيئا من شهواته ، توجّهت على الفور إلى تحصيل مطلوبه وإحضار مشتهياته ، ولأبصرت نفسك جاثيا بين يدى كلب عقور عابدا له مطيعا لما يلتمسه ، مدققا للفكر في الحيل الموصلة إلى طاعته وأنت بذلك ساع فيما يرضى الشيطان ويسرّه فإنّه هو الذي يهيّج الخنزير والكلب ويبعثهما على استخدامك ، فأنت عن هذا الوجه عابد للشيطان وجنوده ، ومندرج في المخاطبين المعاتبين يوم القيامة بقوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
وكذا قال ابن مسكويه في طهارة الأعراق :
إن أصح مثل ضرب لكم من نفوسكم الثلاث (أي النفس الناطقة ، والنفس السبعية ، والنفس البهيمية) مثل ثلاثة حيوانات مختلفة جمعت في رباط (في مكان ـ خ ل) واحد : ملك وسبع وخنزير فأيّها غلب بقوته قوة الباقيين كان الحكم له. (طهارة الأعراق في حاشية مكارم الأخلاق للطبرسى ، ط ١ ، ص ٥١).