قال : مذ كم خرج فيكم؟ قلت : مذ عشرين سنة أو دون ذلك بقليل ، قال : فهو يومئذ ابن أربعين سنة! قلت : أجل ، قال : وهو رجل سبط الرأس ، حسن الوجه ، قصد (١) الطول ، شثن اليدين ، في عينيه حمرة ، لا يقاتل ببلده ما كان فيه ، فإذا خرج منه قاتل فظفر ، وظهر عليه ، يكثر أصحابه ، ويقل عدوّه ، قلت (٢) : والله ما أخطأت من صفته ولا أمره واحدة ، فأخبرني عنه قال : ما اسمك؟ قلت : أبان ، قال : كيف أنت أصدقته أم كذبته؟ قلت : بل كذّبته ، فرفع يده فضرب بظهري بكفّ لينة واحدة ثم قال : أيخط بيده؟ قلت : لا ، قال : هو والله نبي هذه الأمّة ، والله ليظهرن عليكم ، ثم ليظهرن على العرب ، ثم ليظهرن على الأرض ، ثم لقد خرج فخرج مكانه ، فدخل صومعته ، وتشبث الناس به فأبى ، وما أدخله صومعته غير حديثي ، فقال : اقرأ على الرّجل الصّالح السّلام ، يا قوم ما ترون؟ قالوا : والله ما كنا نحسب أن تتكلم بهذا أبدا ولا تذكره (٣).
قال سعيد وبلغنا مكانه وسيره ـ يريد باقي غزوة الحديبية ـ فلما رجع تبعه عمّي فأسلم.
قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر ، أنا أبو عمر بن حيّويه ، أنا أحمد بن معروف الخشاب ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة ، عن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص ، قال : كان خالد بن سعيد ، وعمرو بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى الحبشة وأقام غيرهما من ولد أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية على ما هم عليه ، ولم يسلموا حتى كان نفير بدر ، ولم يتخلف منهم أحد ، خرجوا جميعا في النفير إلى بدر ، فقتل العاص بن سعيد على كفره ، قتله علي بن أبي طالب ، وعبيدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام ، وأفلت أبان بن سعيد ، فجعل خالد وعمرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان : نذكرك الله أن تموت على ما مات عليه أبوك ، وعلى ما قتل عليه أخواك ، فيغضب من ذلك ويقول : لا أفارق دين آبائي أبدا. وكان أبو أحيحة قد مات بمال له
__________________
(١) في اللسان : كل بين مستو غير مشرف ولا ناقص فهو قصد. ورجل قصد ومقتصد ليس بالجسيم ولا الضئيل. وجاء في صفته صلىاللهعليهوسلم : مقصدا ، قال ابن الأثير : هو الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم.
(٢) في أسد الغابة ١ / ٤٦ فقال أبان : هو كذلك.
(٣) الخبر في الإصابة باختصار ، وسمّى الراهب «يكا» وانظر أسد الغابة.