الدرجة الخامسة من درجات العارفين. وأما قولك متى تسكن الحكمة الصدر؟ حتى يراك الله وقد أعتقت رقبتك من أن تكون مملوكا لامرأتك وأجيرا لولدك. قلت : يا راهب فما أوّل قيادة القلب إلى الزهد في الدنيا والرّضا بالقسم؟ قال : بإماتة الحرص وبذبح حنجرة المطعم ، فإن كثرة المطعم تميت القلب كما يموت البدن. قلت : يا راهب فأكون معك وأقيم عليك؟ قال : وما أصنع بك؟ وأي أنس لي فيك؟ ومعي عاطي الأرزاق ، [و] (١) قابض الأرواح يسوق إليّ رزقي في وقته ، ولم يكلفني حمله ولا يقدر على ذلك أحد غيره.
ثم قال لي : يا فتى طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره ، كما لا يجوز فيكم الشريف (٢) كذا لا يجوز كلامكم إلّا بنور الإخلاص ، كم من صلاة قد زخرفتموها بآية من كتاب الله كما تزخرف الفضة السّوداء بالبيضاء للناظرين إليها حتى ينظروا بنور الإخلاص لا فساد لها ، عند إصلاح الضمائر تكفير الكبائر ثم قال : يا فتى إن العبد إذا أضمر على ترك الآثام أتاه القنوع. ثم قال : يا فتى ربما استنظرني (٣) الفرج من مجلسي إلى الصّلاة ، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكا ، وأهل الليل في ليلهم ألذّ من أهل اللهو في لهوهم ، يا فتى همة العاقل النجاة والهرب ، وهمّة الأحمق اللهو والطرب. ثم قال : يا فتى إذا أضمر العبد على الزهد في الدنيا تعلق قلبه في الملكوت الأعلى ، نظر إلى الدنيا بعين القلّة فنظره إلى ما فيها عبرة وسكوته عن القول مغنم وذلك عند ما ينال الدرجة السادسة. قلت : يا راهب ، فما أول الدرجات التي يقطع فيها المريدون وهي باب الإرادة؟ قال : رد المظالم إلى أهلها ، وخفة الظهر من التبعات ، فإن العبد لا تقضى له حاجة وعليه مظلمة لا تبعة. قلت : يا راهب ، ما أفضل الدرجات؟ قال : الصبر على البلاء ، والشكر على الرخاء ، وليس فوق الرضا درجة وهي درجة المقربين. ثم عاد بالكلام على نفسه فأقبل يعاتبها وهو يقول : ويحك يا نفس ، ما إن أراك في تقلبك ومثواك أثبت إلّا الفرار من الحق والموت يقفوك ، فأين تفرين ممن أنت له عاصية وهو إليك محسن ثم قال : إلهي وسيدي أنت الذي سترت عيوبي ، وأظهرت محاسني حتى كأني لم أزل أعمل بطاعتك. إلهي أنا الذي أرضيت عبادك بسخطك فلم تكلني إليهم
__________________
(١) الزيادة عن المختصر.
(٢) المختصر ، وبالأصل «الزيف».
(٣) في المختصر : استطربني الفرح.