المصلحين (١) رحل إلى المشرق فروى عن الأئمة وأعلام (٢) السنّة منهم الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي ، وخليفة بن خيّاط (٣) وجماعات أعلام يزيدون على المائتين ، وكتب المصنّفات الكبار ، والمنثور الكثير ، وبالغ في الجمع والرواية ، ورجع إلى الأندلس فملأها علما جمّا ، وألّف كتبا حسانا تدل على احتفاله واستكثاره. قال لنا أبو محمد علي بن أحمد : من مصنفات أبي عبد الرّحمن بقيّ بن مخلد كتابه في «تفسير القرآن» هو الكتاب الذي أقطع قطعا لا أستثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام لا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره ، ومنها في الحديث «مصنفه» الكبير الذي رتّبه على أسماء الصحابة روى فيه عن ألف وثلاثمائة صحابي ونيّف ، ثم رتب حديث كل صحابي على أسماء الفقه وأبواب الأحكام ، فهو مصنّف ومسند وما أعلم لأحد هذه الرتبة قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث ، وجودة شيوخه فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء وسائرهم أعلام مشاهير. ومنها مصنّف في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم الذي أربى فيه على مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق بن همّام ومصنّف سعيد بن منصور وغيرها. وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه فصارت تواليف هذا الإمام الفاضل قواعد للإسلام لا نظير لها. وكان متخيرا لا يقلد أحدا ، وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل ، وجاريا في مضمار أبي عبد الله البخاري ، وأبي الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري ، وأبي عبد الرّحمن النسائي رحمة الله عليهم هذا آخر كلام أبي محمد.
قال الحميدي : روى عن بقيّ بن مخلد جماعة منهم أسلم بن عبد العزيز بن هاشم القاضي ، وأحمد بن خالد بن يزيد ، ومحمد بن قاسم بن محمد ، والحسن بن سعد بن إدريس بن رزين اليزيدي (٤) الكتاني من أهل المغرب ، وعلي بن عبد القادر بن أبي سلمة (٥) الأندلسي ، وعبد الله بن يونس المرادي ، وكان مختصا به مكثرا عنه ؛ وعنه
__________________
(١) عند الحميدي : الصالحين.
(٢) بالأصل : «وأعلم» والمثبت عن الحميدي.
(٣) قوله : «وخليفة بن خياط» لم يرد في جذوة المقتبس.
(٤) في جذوة المقتبس : البربري الكتامي.
(٥) جذوة المقتبس : ابن أبي شيبة.