تمنع من جواز حبسه عليه فخرج إلى العراق فجاءني بكتاب من هناك من هذا الذي يدعونه أبا أحمد فأعلمته أني لست ممن يقبل في الحكم شفاعة ممن جاءني بكتابه ولا غيره ، وهو يقول إنه على النصرانية وهو الآن عليها وشهد عليه عندي إسحاق بن محمد بن معمر أنه أسلم بالعراق على يد هذا الرجل الذي جاءني بكتابه فلو شهد عليه عندي شاهد آخر مثل إسحاق بن محمد استتبته فإن لم يتب قتلته ، فانصرف به بأمر أحمد بن طولون من مجلسه ذاك إلى الحبس ، وكان أحمد بن طولون قد حبس القاضي بكّار بالمرفق في القماحين في الدرب الذي على يمين من يريد المصلّى القديم.
فحدّثني عبد الله بن محمد بن بشير الحذّاء وكان ممن يحضر هناك مجلس ابن طولون قال : رأيته هناك يعني القاضي بكّارا وقد أدخل خصما ، فقال خصمه الذي كان يخاصم إليه : هذا الرجل كان يزعم أنه قاضي المسلمين خمسا (١) وعشرين سنة وقد غصبني داري وهو ساكنها الآن ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير ، فسئل القاضي بكّار عن ذلك فقال : لا أدري ما يقول هذا الرجل ، أنا لم أنزل هذه الدار ، وإنما أنزلتها كرها ، فإن كان مغصوبا فالذي غصبه هو الذي أنزلنيها. وهذا في الجملة كلام محال ، ما ظننته يجوز على أحد ، لئن كنت غاصبا فما له عليّ أجرة معلومة ، لئن كانت له علي أجرة بسكناي في داره فما أنا غاصب. قال : قام الذي كان يخاصم إليه بخمسة دنانير فدفعت إلى الذي خاصمه وأصرف. وكان في هذه الدار في كل يوم جمعة إذا جاء وقت الرّواح لصلاة الجمعة لبس ما كان يلبسه للجمعة وخرج إلى الباب يريد الرّواح منه ، فيقول له الموكلون به : ارجع ، فيقول : اللهم اشهد ، ثم يرجع. فلم يزل كذلك فيها حتى توفي أحمد بن طولون ، وبقي فيها هو بعد ذلك حتى توفي في الوقت الذي ذكرنا وفاته فيه ، فظن الناس أنه لا يتهيأ لأحد حضوره وحضروا عند العصر ، وكنت فيمن حضر وكان معي يحيى بن عثمان بن صالح ، فأخرجت جنازته بعد العصر ، وأقبل الناس أكثر ما كانوا وفيهم أصحاب أحمد بن طولون قد غطوا رءوسهم حتى لا يعرفوا وزادت الجماعة من غير أن يرى في الناس راكب واحد ، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقار وسكينة ، وصلّي عليه في المصلّى الجديد ، وكان الذي صلّى عليه ابن أخيه محمد بن الحسن بن قتيبة.
كتب أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة ، وحدّثني أبو بكر [محمد] بن شجاع
__________________
(١) بالأصل : خمسة.