لأنزاه برآء مع المقصرين والمفرّطين وانهم لأكياس أقوياء ، ولكنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يكثرون له الكثير ، ولا يدلّون عليه بالأعمال ، متى ما لقيتهم فهم مهتدون محزونون مروّعون خائفون مشفقون وجلون ، فأين أنتم منهم؟ يا معشر المبتدعين اعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه ، وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه. قال وهب : ثم انصرف عنهم وتركهم ، فبلغ ابن عباس أنهم قد تفرقوا عن مجلسهم ذلك ، ثم لم يعودوا إليه حتى [هلك](١) ابن عباس.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ ، أنا أبو بكر بن مالك ، حدّثنا عبد الله بن أحمد ، حدّثني أبي ، حدّثنا أبو المغيرة ، حدّثنا صفوان بن عمرو ، عن يزيد بن ميسرة ، قال : قال أيوب النبي صلىاللهعليهوسلم يا ربّ إنك أعطيتني المال والولد فلم يقم أحد على بابي يشكوني بظلم ظلمته ، وأنت تعلم ذلك وأنه كان يوطأ لي الفرش فأتركها وأقول لنفسي : يا نفس إنّك لم تخلقي لوطئ الفرش ما تركت ذلك إلّا ابتغاء فضلك.
أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، أنا حاجب بن أحمد ، حدّثنا محمد بن حمّاد ، أنا محمد بن الفضل ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : يؤتى بثلاثة يوم القيامة بالغنيّ والمريض والعبد المملوك ، فيقال للغني : ما منعك من عبادتي؟ فيقول : يا ربّ أكثرت لي من المال فطغيت ، فيؤتى بسليمان في ملكه فيقول : أنت كنت أشد شغلا من هذا؟ قال : يقول : لا بل هذا [قال : فإن هذا](٢) لم يمنعه ذلك أن عبدني قال : يؤتى بالمريض قال : فيقول : ما منعك من عبادتي؟ قال : فيقول شغلت عليّ جسدي ، قال : فيؤتى بأيوب في ضرّه فيقول : أنت كنت أشد ضرّا من هذا؟ قال : لا بل هذا. قال : فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني قال : ثم يؤتى بمملوك فيقول : ما منعك من عبادتي؟ فيقول : يا ربّ جعلت عليّ أبوابا (٣) يملكونني ، قال : فيؤتى بيوسف في عبوديته فيقول : أنت كنت أشد عبودية أم هذا؟ قال : لا بل هذا قال : فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني (٤).
__________________
(١) سقطت من الأصل واستدركت عن م.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن م وانظر مختصر ابن منظور ٥ / ١١٣.
(٣) كذا بالأصل ، وفي م ، والمختصر «أربابا» وهو الظاهر.
(٤) أشار إليه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٢٥٩.