يعني : أنّ المفعول قد يأتي متقدّما على الفعل ، وشمل ما تقديمه جائز ، نحو قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى) [الأعراف : ٣٠] ، وما تقديمه واجب نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) [الفاتحة : ٥].
وظاهر «قد» هنا أنّها للتّقليل ، لأنّ تقديم المفعول على الفعل أقلّ من تقديمه على الفاعل.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وأخّر المفعول إن لبس حذر |
|
أو أضمر الفاعل غير منحصر |
أشار هنا إلى موضعين يجب فيهما تأخير المفعول عن الفاعل :
الأوّل : أن يخاف اللّبس ، وذلك بأن يكون الإعراب خفيّا في الفاعل والمفعول معا ، نحو «ضرب موسى عيسى» ، فالأوّل هو (١) الفاعل ، محافظة على الرّتبة ، قاله ابن السّرّاج (٢) وغيره (٣)(٤) ، وخالفهم ابن الحاجّ (٥) في نقده على المقرّب لابن عصفور ، فقال : «لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية» (٦).
__________________
(١) في الأصل : وهو. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٧.
(٢) قال ابن السراج في الأصول (٢ / ٢٤٥) : «الثاني عشر ـ التقديم إذا ألبس على السامع أنّه مقدم : وذلك نحو قولك : «ضرب عيسى موسى» ، إذا كان «عيسى الفاعل لم يجز أن يقدم «موسى» عليه ، لأنّه ملبس لا يبين فيه إعراب».
وانظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٦ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥٦ / ب).
(٣) في الأصل : وعدة. انظر التصريح : ١ / ٢٨١.
(٤) وقاله غير ابن السراج كالجزولي وابن عصفور وابن مالك في النظم وغيره ، وتضافرت على ذلك نصوص المتأخرين ، وهو مذهب الجمهور.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٨٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٦٣ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٥ ، إرشاد الطالب النبيل : (١٥٦ / ب).
(٥) هو أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي الإشبيلي ، ويعرف بابن الحاج ، أبو العباس ، من علماء العربية وعالم في بعض العلوم ، توفي سنة ٦٤٧ ه ، (وقيل : ٦٥١ ه) ، من آثاره : شرح كتاب سيبويه ، إيرادات على المقرب ، لابن عصفور ، حاشية على سر الصناعة ، كتاب السماع وأحكامه ، مختصر المستصفى في أصول الفقه للغزالي ، وغيرها.
انظر ترجمته في بغية الوعاة : ١٥٦ ، معجم المؤلفين : ٢ / ٦٤ ، البلغة في أئمة اللغة : ٣١.
(٦) محتجا بأنّ العرب تجيز تصغير «عمرو وعمر» على «عمير» مع وجود اللبس ، وبأنّ الإجمال من مقاصد العقلاء ، فإنّ لهم غرضا في الإجمال ، كما أنّ لهم غرضا في البيان ، وبأنّه يجوز أن