والثّاني : أن يكون الفاعل ضميرا متّصلا ، نحو «ضربت زيدا».
واحترز بقوله : «غير منحصر» عن الفاعل إذا كان منحصرا ، فإنّه يجب انفصاله وتأخيره ، ويكون حينئذ المفعول واجب التّقديم ، نحو «ما ضرب زيدا إلّا أنا» ، وسيأتي الإشارة إلى هذا.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وما بإلّا أو بإنّما انحصر |
|
أخّر ، وقد يسبق إن قصد ظهر |
يعني : أنّه يجب تأخير المنحصر بـ «إلّا» ، أو بـ «إنّما» فاعلا كان أو مفعولا / ، فإذا قصد حصر المفعول ـ وجب تأخيره ، وتقديم الفاعل ، نحو «ما ضرب زيد إلّا عمرا» (وإنّما ضرب زيد عمرا» (١) ، وإذا قصد حصر الفاعل وجب تأخيره وتقديم المفعول ، فتقول : «ما ضرب عمرا إلّا زيد ، و «إنّما ضرب عمرا زيد».
وهذا الحكم مع «إنّما» اتّفاقيّ (٢) ، وأما مع «إلّا» فإنّما هو عند الجزوليّ (٣) ، وجماعة (٤).
__________________
يقال : «زيد وعمرو ضرب أحدهما الآخر» إذ لا يبعد أن يقصد قاصد ضرب أحدهما من غير تعيين ، فيأتي باللفظ المحتمل ، وبأنّ تأخير البيان لوقت الحاجة بها جائز عقلا باتفاق عند الأصوليين ، ولغة عند النحويين ، فلا يمتنع أن يتكلم بالمجمل ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة ، كـ «مختار ، ومنقاد» فإنّهما مجملان لترددهما بين الفاعل والمفعول بقلب عينهما المكسورة أو المفتوحة ألفا ، وجائز شرعا على الأصح خلافا للمعتزلة وكثير من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الظاهر وأبي إسحاق المروزي وأبي بكر الصيرفي ، لأنّ المراد بالبيان حصول تمكن المكلف من امتثال الأمر ولا حاجة لذلك إلّا عند تعيين الامتثال ، فأما قبل ذلك فلا ، وبأنّ الزجاج نقل في معانيه أنّه لا خلاف بين النحويين في أنّه يجوز في نحو (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) كون (تِلْكَ) اسم «زال» و (دَعْواهُمْ) الخبر وبالعكس.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨١ ، أوضح المسالك : ٨٤ ، الهمع : ٢ / ٢٥٩ ، شرح المرادي : ٢ / ١٦ ، ابن عقيل مع الخضري : ١ / ١٦٥ ، إرشاد الطالب النبيل (١٥٦ / ب) ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٦ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج : ٣ / ٣٨٦.
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ١ / ١٢٨.
(٢) لأنّه لو أخر انقلب ، وذلك لأنّ معنى قولنا : «إنّما ضرب زيد عمرا» انحصار ضرب «زيد» في «عمرو» مع جواز أن يكون «عمرو» مضروبا لشخص آخر ، فإذا أخّر وقيل : «إنّما ضرب عمرا زيد» جاز أن يكون «زيد» ضاربا لشخص آخر ، ولم يجز أن يكون «عمرو» مضروبا لشخص.
انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، شرح المرادي : ٢ / ١٨ ، الهمع : ٢ / ٢٦٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٥٩٠ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٦٦.
(٣) والشلوبين أيضا. فإنّهما أوجبا تأخير المفعول المحصور بـ «إلا» نحو «ما ضرب زيد إلا عمرا». انظر المقدمة الجزولية للجزولي : ٥٠ ـ ٥١ ، التوطئة للشلوبين : ١٦٥ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٢٨٢ ، شرح الأشموني : ٢ / ٥٨.
(٤) من المتأخرين. انظر التصريح : ١ / ٢٨٢.