والوجه الثاني : أنك تقول «أسميته» ولو كان مشتقا من الوسم لوجب أن تقول «وسمته» فلما لم تقل إلا «أسميت» دلّ على أنه من السّموّ ، وكان الأصل فيه «أسموت» (١) ، إلا أن الواو التي هي اللام لما وقعت رابعة قلبت ياء ، كما قالوا : أعليت ، وأدعيت ، والأصل : أعلوت ، وأدعوت ، إلا أنه لما وقعت الواو رابعة قلبت ياء ، فكذلك هاهنا.
وإنما وجب أن تقلب الواو ياء رابعة من هذا النحو حملا للماضي على المضارع ، والمضارع يجب قلب الواو فيه ياء نحو «يعلي ، ويدعي ، ويسمي» والأصل فيه «يعلو ، ويدعو ، ويسمو» وإنما وجب قلبها ياء في المضارع لوقوعها ساكنة مكسورا (٢) ما قبلها ؛ لأن الواو متى وقعت ساكنة مكسورا ما قبلها وجب قلبها ياء ، ألا ترى أنهم قالوا : ميقات ، وميعاد ، وميزان ، والأصل : موقات ، وموعاد ، وموزان ؛ لأنه من الوقت ، والوعد ، والوزن ؛ إلا أنه لما وقعت الواو ساكنة مكسورا ما قبلها وجب قلبها ياء ؛ فكذلك هاهنا. وإنما حملوا الماضي على المضارع مراعاة لما بنوا عليه كلامهم من اعتبار حكم المشاكلة ، والمحافظة على أن تجري الأبواب على سنن واحد ، ألا ترى أنهم حملوا المضارع [٤] على الماضي إذا اتصل به ضمير جماعة النسوة نحو
__________________
(١) للكوفيين أن يدعوا أن هذه الكلمة قد حصل فيها قلب مكاني ، وأنهم قالوا أول الأمر «أوسمت» على وزن أفعلت ، ثم نقلوا الواو التي هي فاء الكلمة إلى موضع اللام فقالوا «أسموت» على وزن أعلفت ، ثم قلبوا هذه الواو ـ بعد أن صارت في آخر الكلمة ـ ياء ، فصارت «أسميت» وبهذه الطريقة نفسها يجيبون عن الوجوه الآتية الثالث والرابع والخامس ، وقد تنبه موفق الدين ابن يعيش إلى ذلك فقال «فإن ادعى القلب فليس ذلك بالسهل ؛ فلا يصار إليه وعنه مندوحة» اه.
(٢) في كلام المؤلف ما يدل على أنه يشترط لقلب الواو ياء أن تكون هذه الواو ساكنة ، وليس ذلك بمستقيم على إطلاقه ؛ فإن الواو المتطرفة ـ أي الواقعة في آخر الكلمة ـ تنقلب ياء إذا انكسر ما قبلها ، مطلقا ، أي سواء أكانت ساكنة أم متحركة بل هي لا تكون ساكنة في آخر الكلمة ـ إلا لعارض لا دخل له في قلبها ـ وذلك ، من قبل أن آخر الكلم المتمكنة هو محل الإعراب ، وانظر إلى قولهم «رضى» وهو فعل ماض من الرضوان ، فإن أصل يائه واو مفتوحة ، وانظر إلى قولهم «غزى» و «دعى» بالبناء للمفعول ؛ فإن أصل يائهما الواو ، بدليل قولهم : دعاه يدعوه ، وغزاه يغزوه ، وقد انقلبت واوهما ياء لمجرد كونها طرفا مكسورا ما قبلها ، ثم انظر بعد ذلك إلى قولهم «الداعي ، والغازي ، والراضي» فإنك ستجد أن أصل هذه الياءات واو ، بدليل الاشتقاق الذي أشرنا إليه ، وقد انقلبت الواو في الكلمات الثلاث ياء لوقوعها في آخر الكلمة وكسر ما قبلها وأما سكون هذه الكلمات في حالة الرفع وحالة الجر فلعلة أخرى ، وهي استثقال الضمة والكسرة على الواو والياء ، والذي يؤكد لك ذلك أن هذه الواوات تقلب ياء في حالة النصب أيضا مع ظهور الفتحة على الواو وعلى الياء.
وإنما يشترط سكون الواو مع انكسار ما قبلها لقلبها ياء إذا كانت في وسط الكلمة نحو ميعاد وميقات وميزان ، وقد بين المؤلف أصل هذه الكلمات.