٥٦
مسألة
[القول في إعراب الاسم الواقع بعد «مذ» و «منذ»](١)
ذهب الكوفيون إلى أن «مذ» ، و «منذ» إذا ارتفع الاسم بعدهما ارتفع بتقدير فعل محذوف. وذهب أبو زكرياء يحيى بن زياد الفرّاء إلى أنه يرتفع بتقدير مبتدأ محذوف. وذهب البصريون إلى أنهما يكونان اسمين مبتدأين ويرتفع ما بعدهما لأنه خبر عنهما ، ويكونان حرفين جارّين فيكون ما بعدهما مجرورا بهما.
أما الكوفيون فاحتجّوا بأن قالوا : الدليل على أن الاسم بعدهما يرتفع بتقدير فعل محذوف أنهما مركبان من «من» و «إذ» فتغيرا عن حالهما في إفراد [١٦٨] كل واحد منهما ، فحذفت الهمزة ووصلت «من» بالذال وضمت الميم ؛ للفرق بين حالة الإفراد والتركيب. والذي يدل على أن الأصل فيهما من وإذ أنّ (٢) من العرب من يقول في منذ : «منذ» بكسر الميم ؛ فكسر الميم يدل على أنها مركبة من من وإذ ، وإذا ثبت أنها مركبة من من وإذ كان الرفع بعدهما بتقدير فعل ؛ لأن الفعل يحسن بعد إذ ؛ والتقدير : ما رأيته مذ مضى يومان ، ومنذ مضى ليلتان ، فأما إذا كان الاسم بعدهما مخفوضا كان الخفض بهما اعتبارا بمن ، ولهذا المعنى كان الخفض بمنذ أجود من مذ ؛ لظهور نون من فيها تغليبا لمن ، والرفع بمذ أجود لحذف نون من منها تغليبا لإذ ، والذي يدل على أن أصل مذ ومنذ واحد أنك لو سميت بمذ لقلت في تصغيره «منيذ» وفي تكسيره «أمناذ» فتعود النون المحذوفة ؛ لأن التصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها كما نقول في تصغير منذ وتكسيره إذا سميت به.
وأما الفراء فاحتج بأن قال : إنما قلت إن الاسم يرتفع بعدهما بتقدير مبتدأ
__________________
(١) انظر في هذه المسألة شرح الأشموني مع حاشية الصبان (٢ / ١٩٨ وما بعدها) وتصريح الشيخ خالد الأزهري (٢ / ٢١ وما بعدها) ومغني اللبيب لابن هشام (ص ٣٢٥ بتحقيقنا) وشرح الرضي على الكافية (٢ / ١١٠ وما بعدها) وشرح ابن يعيش على المفصل (ص ٥٤٥).
(٢) في ر «وإذ أنه من العرب ـ الخ».