[١٠٨] ٢٩
مسألة
[القول في عامل النّصب في الظرف الواقع خبرا](١)
ذهب الكوفيون إلى أن الظرف ينتصب على الخلاف إذا وقع خبرا للمبتدأ ، نحو «زيد أمامك ، وعمرو وراءك» وما أشبه ذلك. وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب من الكوفيين إلى أنه ينتصب لأن الأصل في قولك : «أمامك زيد» حلّ أمامك ، فحذف الفعل وهو غير مطلوب واكتفى بالظرف منه فبقي منصوبا على ما كان عليه مع الفعل. وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بفعل مقدر ، والتقدير فيه : زيد استقرّ أمامك ، وعمرو استقر وراءك. وذهب بعضهم إلى أنه ينتصب بتقدير اسم فاعل ، والتقدير : زيد مستقر أمامك ، وعمرو مستقر وراءك.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه ينتصب بالخلاف وذلك لأن خبر المبتدأ في المعنى هو المبتدأ ، ألا ترى أنك إذا قلت «زيد قائم ، وعمرو منطلق» كان قائم في المعنى هو زيد ، ومنطلق في المعنى هو عمرو ، فإذا قلت «زيد أمامك ، وعمرو وراءك» لم يكن أمامك في المعنى هو زيد ، ولا وراءك في المعنى هو عمرو ، كما كان قائم في المعنى هو زيد ومنطلق في المعنى هو عمرو ، فلما كان مخالفا له نصب على الخلاف ليفرقوا بينهما.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه ينتصب بعامل مقدر وذلك لأن الأصل في قولك «زيد أمامك ، وعمرو وراءك» : في أمامك ، وفي وراءك ؛ لأن الظرف : كل اسم من أسماء الأمكنة أو الأزمنة يراد فيه معنى «في» وفي : حرف جرّ ، وحروف الجر لا بد لها من شيء تتعلق به ؛ لأنها دخلت رابطة تربط الأسماء بالأفعال ، كقولك «عجبت من زيد ، ونظرت إلى عمرو» ولو قلت «من زيد» أو «إلى عمرو» لم يجز حتى تقدر لحرف الجر شيئا يتعلق به ؛ فدلّ على أن التقدير في
__________________
(١) انظر في هذه المسألة : شرح الأشموني (١ / ٢٦٥ بتحقيقنا) وحاشية الصبان (١ / ١٩٣ بولاق) وتصريح الشيخ خالد الأزهري (١ / ١٩٨ وما بعدها) وشرح المفصل (ص ١١٠) وشرح رضي الدين على الكافية (١ / ٨٣).