١٧
مسألة
[القول في تقديم خبر «ما زال» وأخواتها عليهن](١)
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم خبر «ما زال» عليها ، وما كان في معناها من أخواتها ، وإليه ذهب أبو الحسن بن كيسان ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك ، وإليه ذهب أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من [٧١] الكوفيين ، وأجمعوا على أنه لا يجوز تقديم خبر «ما دام» عليها.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأن «ما زال» ليس بنفي للفعل ، وإنما هو نفي لمفارقة الفعل ، وبيان أن الفاعل حاله في الفعل متطاولة ، والذي يدل على أنه ليس بنفي أنّ «زال» فيه معنى النفي ، و «ما» للنفي ، فلما دخل النفي على النفي صار إيجابا ، والذي يدل على أن النفي إذا دخل على النفي صار إيجابا أنك إذا قلت «انتفى الشيء» كان ضدا للإثبات ، فإذا أدخلت عليه النفي نحو «ما انتفى» صار موجبا ؛ فدل على أن نفي النفي إيجاب ، وإذا كان كذلك صار «ما زال» بمنزلة «كان» في أنه إيجاب ، وكما أن «كان» يجوز تقديم خبرها عليها نفسها ، فكذلك «ما زال» ينبغي أن يجوز تقديم خبرها عليها ، ولذلك لم يقولوا «ما زال زيد إلا قائما» كما لم يقولوا «كان زيد إلا قائما» لأن «إلا» إنما يؤتى بها لنقض النفي ، كقولك «ما مررت إلا بزيد ، وما ضربت إلا زيدا» نفيت المرور والضرب أولا ، وأدخلت «إلا» فأثبتهما لزيد ، وأبطلت النفي ونقضته ، ولهذا إذا قلتم إنها إذا دخلت على «ما» التي ترفع الاسم وتنصب الخبر أبطلت عملها ؛ لأنها إنما عملت لشبهها بليس في أنها تنفي الحال ، كما أن ليس تنفي الحال ؛ فإذا دخلت «إلا» عليها أبطلت معنى النفي ، فزال شبهها بليس ، فبطل عملها ؛ فإذا كان الكلام ثابتا فلا يفتقر إلى إثباته ؛ ألا ترى أنك لو قلت «مررت إلا بأحد» لم يجز ؛ لأن إثبات الثابت
__________________
(١) انظر في هذه المسألة : أسرار العربية للمؤلف (ص ٥٧) وشرح الأشموني (١ / ٣٥٢ بتحقيقنا) وحاشية الصبان (١ / ٢٢٤) والتصريح للشيخ خالد (١ / ٢٣٦ بولاق) وشرح موفق الدين بن يعيش على المفصل (ص ١٠١٥) وشرح رضي الدين على الكافية (٢ / ٢٦٧).