١٩
مسألة
[القول في العامل في الخبر بعد «ما» النافية النّصب](١)
ذهب الكوفيون إلى أن «ما» في لغة أهل الحجاز لا تعمل في الخبر ، وهو منصوب بحذف حرف الخفض. وذهب البصريون إلى أنها تعمل في الخبر ، وهو منصوب بها.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنها لا تعمل في الخبر ، وذلك لأن القياس في «ما» أن لا تكون عاملة ألبتة ؛ لأن الحرف إنما يكون عاملا إذا كان مختصا ، كحرف الخفض لما اختص بالأسماء عمل فيها ، وحرف الجزم لما اختص بالأفعال عمل فيها ، وإذا كان غير مختص فوجب أن لا يعمل كحرف الاستفهام والعطف ؛ لأنه تارة يدخل على الاسم ، نحو «ما زيد قائم» وتارة يدخل على الفعل ، نحو «ما يقوم زيد» فلما كانت مشتركة بين الاسم والفعل وجب أن لا تعمل ؛ ولهذا كانت مهملة غير معملة في لغة بني تميم ، وهو القياس ، وإنما أعملها أهل الحجاز لأنهم شبّهوها بليس من جهة المعنى ، وهو [٧٧] شبه ضعيف فلم يقو على العمل في الخبر كما عملت ليس ؛ لأن ليس فعل ، وما حرف ، والحرف أضعف من الفعل ، فبطل أن يكون منصوبا بما ، ووجب أن يكون منصوبا بحذف حرف الخفض ؛ لأن الأصل «ما زيد بقائم» فلما حذف حرف الخفض وجب أن يكون منصوبا ؛ لأن الصّفات منتصبات الأنفس ، فلما ذهبت أبقت خلفا منها ، ولهذا لم يجز النصب إذا قدّم الخبر ، نحو «ما قائم زيد» أو دخل حرف الاستثناء نحو «ما زيد إلا قائم» لأنه لا يحسن دخول الباء معهما ؛ فلا يقال «ما بقائم زيد ، وما زيد إلا بقائم» فدل ذلك على ما قلناه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن «ما» تنصب الخبر وذلك
__________________
(١) انظر في هذه المسألة : أسرار العربية للمؤلف (ص ٥٩) وتصريح الشيخ خالد (٢ / ٢٣٦) وكتاب سيبويه (١ / ٢٨) وحاشية الصبان على الأشموني (١ / ٢٣٤ بولاق).