فالكلام عليه من أربعة أوجه ؛ فالوجه الأول : أنه يروى «ما تنفك آلا مناخة» والآل : الشخص ؛ يقال «هذا آل قد بدا» أي شخص ؛ وبه سمي الآل ؛ لأنه يرفع الشخوص أول النهار وآخره ؛ قال الشاعر :
[٩٥]* كأنّنا رعن قفّ يرفع الآلا*
أي يرفعه الآل ؛ وهو من المقلوب. والوجه الثاني : أنه يروى «ما تنفكّ إلا مناخة» [٧٢] بالرفع ، فلا يكون فيه حجة. والوجه الثالث : أنه قد روي بالنصب ، ولكن ليس هو منصوبا لأنه خبر «ما تنفك» وإنما خبرها «على الخسف» فكأنه قال : ما تنفك على الخسف ، أي تظلم إلا أن تناخ. والوجه الرابع : أنه جعل «ما تنفك»
______________________________________________________
[٩٥] هذا عجز بيت من كلام النابغة الجعدي ، وصدره قوله :
* حتى لحقنا بهم تعدى فوارسنا*
وتعدى فوارسنا : أي تحمل أفراسها على العدو ، وهو السير السريع ، والرعن ـ بفتح الراء وسكون العين ـ أنف الجبل ، والقف ـ بضم القاف وتشديد الفاء ـ الجبل ، غير أنه ليس بطويل في السماء ، والآل : الذي تراه في أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص ، وليس هو السراب ، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «الآل» ومعناه ما ذكرنا يريد المؤلف أن الذي في بيت ذي الرمة هو «الآل» كالذي في هذا البيت ، وقد تقدم بيانه ، وقد تبين لك من تفسيرنا للآل وجه قول المؤلف «وهو من المقلوب» يعني أن المعروف أن الآل هو الذي يرفع الشخوص ، وقد جاء في هذا البيت أن رعن القف يرفع الآل ، فرعن القف في ظاهر هذا البيت رافع ، والآل مرفوع ، والجاري على ألسنة العرب أن تجعل الآل رافعا والشخوص التي منها رعن القف مرفوعة ، قال ابن منظور بعد أن أنشد البيت «أراد يرفعه الآل ، فقلبه» وقد أنكر ابن سيده القلب في هذا البيت ، وزعم أن كل واحد من رعن القف والآل يصلح أن يكون رافعا ويصلح كذلك أن يكون مرفوعا ، قال : «وجه كون الفاعل فيه مرفوعا والمفعول منصوبا باسم صحيح مقول به ، وذلك أن رعن هذا القف لما رفعه الآل فرؤي فيه ظهر به الآل إلى مرآة العين ظهورا لو لا هذا الرعن لم يبن للعين بيانه إذا كان فيه ، ألا ترى أن الآل إذا برق للبصر رافعا شخصه كان أبدى للناظر إليه منه لو لم يلاق شخصا يزهاه فيزداد بالصورة التي حملها سفورا ، وفي مسرح الطرف تجليا وظهورا؟ فإن قلت : فقد قال الأعشى :
* إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا*
فجعل الآل هو الفاعل والشخص هو المفعول ، قيل : ليس في هذا أكثر من أن هذا جائز ، وليس فيه دليل على أن غيره ليس بجائز ، ألا ترى أنك إذا قلت : «ما جاءني غير زيد ، فإنما في هذا دليل على أن الذي هو غيره لم يأتك ، فأما زيد نفسه فلم يعرض للأخبار بإثبات مجيء له أو نفيه عنه ؛ فقد يجوز أن يكون قد جاء وأن يكون أيضا لم يجئ» اه كلامه بحروفه.