فإن شئت جعلت قوله : «بغاة» خبرا للثاني وأضمرت للأول خبرا ، ويكون التقدير : وإلا فاعلموا أنّا بغاة وأنتم بغاة ، وإن شئت جعلته خبرا للأول وأضمرت للثاني خبرا ، على ما بيّنا.
والوجه الثالث : أن يكون عطفا على المضمر المرفوع في «هادوا» وهادوا بمعنى تابوا. وهذا الوجه عندي ضعيف ؛ لأن العطف على المضمر المرفوع قبيح وإن كان لازما للكوفيين ؛ لأن العطف على المضمر المرفوع عندهم [٨٧] ليس بقبيح ، وسنذكر فساد ما ذهبوا إليه في موضعه ، إن شاء الله تعالى.
وأما ما حكوه عن بعض العرب «إنك وزيد ذاهبان» فقد ذكر سيبويه أنه غلط من بعض العرب ، وهذا لأن العربي يتكلم بالكلمة إذا استهواه ضرب من الغلط فيعدل عن قياس كلامه ، كما قالوا «ما أغفله عنك شيئا» ، وكما قال زهير ، ويقال صرمة الأنصاري :
[١١٥] بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا |
فقال «سابق» على الجر ؛ وكان الوجه «سابقا» بالنّصب!
وقال الآخر :
[١١٦]أجدّك لست الدّهر رائي رامة |
|
ولا عاقل إلّا وأنت جنيب |
______________________________________________________
[١١٥] هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني ، وهو ثابت في ديوانه بشرح الأعلم الشنتمري ، وهو من شواهد سيبويه ، أنشده في (١ / ٨٣ و ٤١٨ و ٤٥٢) ونسبه في هذه المرات إلى زهير ، وأنشده في (١ / ١٥٤) ونسبه إلى صرمة الأنصاري ، والبيت من شواهد مغني اللبيب لابن هشام (ص ٩٦ و ٢٨٨ و ٤٦٠ و ٤٧٦ و ٥٥١ و ٦٧٨ بتحقيقنا) وشواهد الأشموني (رقم ٥٨٤) وأنشده في اللسان (ن م ش) ونسبه إلى زهير ، وأنشده ابن جني في الخصائص (٢ / ٣٥٣ و ٤٢٤) والاستشهاد بالبيت في قوله «ولا سابق» حيث جاء به مجرورا مع كونه معطوفا على مدرك المنصوب لكونه خبر ليس ، وإنما جاء به مجرورا لأن الباء تدخل في خبر ليس كثيرا ، فلما قال الشاعر «أني لست مدرك ما مضى» توهم أنه أدخل الباء على خبر ليس لكونه مما يجري على لسانه كثيرا ؛ فجر المعطوف على هذا التوهم ، قال سيبويه بعد أن أنشده «فجعلوا الكلام على شيء يقع هنا كثيرا» اه. وقال الأعلم : «حمل قوله ولا سابق على معنى الباء في مدرك ؛ لأن معناه لست بمدرك ، فتوهم الباء وحمل عليها» اه.
[١١٦] لم أعثر لهذين البيتين على نسبة إلى قائل معين ، ورامة وعاقل ومنعج وشطيب : أسماء أماكن بأعينها ، والاستشهاد بالبيتين في قوله «ولا مصعد» فإنه مجرور وهو معطوف على قوله «رائي رامة» المنصوب لكونه خبر ليس ، وسهل ذلك أن خبر ليس يكثر دخول الباء الزائدة عليه فتجر لفظه ، فكأن الشاعر بعد أن قال «لست رائي رامة» توهم أنه أدخل الباء فقال : لست برائي رامة ، فجر المعطوف لهذا التوهم.