وقال الأحوص الرّياحيّ :
[١١٧] مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلّا ببين غرابها |
فقال «ناعب» بالجر ، وكان الوجه أن يقول «ناعبا» بالنصب ، وقد تؤوّل ذلك بما لا يلتفت إليه ولا يقاس عليه ؛ فإذا كان كذلك فلا يجوز الاحتجاج بما رووه مع قلّته في الاستعمال وبعده عن القياس على ما وقع فيه الخلاف.
وأما قولهم «أجمعنا على أنه يجوز العطف على الموضع قبل تمام الخبر مع لا ؛ فكذلك مع إن» قلنا الجواب على هذا من وجهين :
أحدهما : إنما جاز ذلك مع «لا» لأن لا لا تعمل في الخبر ، بخلاف «إن»
______________________________________________________
[١١٧] هذا البيت ـ كما قال المؤلف ـ للأحوص الرياحي ، وهو من شواهد سيبويه ، وقد أنشده سيبويه في كتابه ثلاث مرات نسبه في واحدة (١ / ٤١٨) للفرزدق وقد بحثت ديوان الفرزدق فلم أعثر عليه فيه ، ونسبه في المرتين الأخريين (١ / ٧٣ و ١٥٤) إلى الأحوص ، وقد استشهد به الأشموني (رقم ٥٨٦ بتحقيقنا) ورواه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في البيان (٢ / ٢٦٠) ثالث ثلاثة أبيات ، ونسبها للأحوص ، واستشهد به رضي الدين في شرح الكافية (١ / ٤٢٨) وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ١٤٠) والمشائيم : جمع مشؤوم ، وتقول : شأم فلان قومه يشأمهم ـ من باب فتح ـ إذا جر عليهم الشؤم ، وعشيرة الرجل : بنو أبيه الأدنون ، وناعب : اسم فاعل من النعيب ، وهو صوت الغراب ، وهم يتشاءمون به ويجعلونه نذيرا بالفرقة وتصدع الشمل والاستشهاد بالبيت في قوله «ولا ناعب» حيث جاء مجرورا مع أنه معطوف على خبر ليس المنصوب الذي هو قوله «مصلحين» وذلك لأنه بعد أن قال «ليسوا مصلحين عشيرة» توهم أنه قرن خبر ليس بالباء الزائدة من قبل أن لسانهم كثيرا ما يجري بذلك من غير نكير ، وقد بيّنا ذلك في شرح الشاهدين السابقين.
ونظير هذه الشواهد قول عبد الله بن الدمينة ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٣٥٤ بتحقيقنا) :
أحقا عباد الله أن لست صاعدا |
|
ولا هابطا إلا عليّ رقيب |
ولا سالك وحدي ولا في جماعة |
|
من الناس إلا قيل : أنت مريب |
فقد جاء بالمعطوف ـ وهو قوله «ولا سالك» ـ مجرورا ، مع أن المعطوف عليه وهو قوله «صاعدا» منصوب ، وبعد أن عطف عليه اسما منصوبا وهو وقوله «ولا هابطا».
وربما جر بعض الشعراء المعطوف على خبر كان المنفية المنصوب لأن الباء الزائدة تدخل على خبر كان المنفية ، وإن كان ليس من الكثرة في لسانهم كخبر ليس ، ومن هذا قول الشاعر ، وأنشده ابن منظور (ن م ش) :
وما كنت ذا نيرب فيهم |
|
ولا منمش فيهم منمل |
ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «ولا منمش» حيث جاء به مجرورا وهو معطوف على قوله «ذا نيرب» الذي هو خبر كان المسبوقة بما النافية ، وذلك ظاهر إن شاء الله.