إذا جاز حذف الألف والهمزة لكثرة الاستعمال فلأن يجوز حذف الهمزة كان ذلك من طرق الأولى.
وقالوا : ولا يجوز أن يقال «إنه لو كان أصلها لا أن ؛ لما جاز أن يقال : أما زيدا فلن أضرب ؛ لأن ما بعد أن لا يجوز أن يعمل فيما قبلها» ؛ لأنا نقول : إنما جاز ذلك لأن الحروف إذا ركبت تغير حكمها بعد التركيب عما كان عليه قبل التركيب ، ألا ترى أن «هل» لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وإذا ركبت مع «لا» ودخلها معنى التحضيض تغير ذلك الحكم عما كان عليه قبل التركيب ؛ فجاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، فيقال «زيدا هلّا ضربت»؟ فكذلك هاهنا.
والذي يدل على أن أصلها إنّ على ما بيّنا أنه يجوز العطف على موضعها كما يجوز العطف على موضع إنّ ؛ فدل على أن الأصل فيها إنّ زيدت عليها لا والكاف ؛ فكما يجوز دخول اللام في خبر إنّ ؛ فكذلك يجوز دخولها في خبر لكن.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما [٩٣] قلنا إنه لا يجوز ذلك لأنه لا يخلو إما أن تكون هذه اللام لام التأكيد أو لام القسم ، على اختلاف المذهبين ، وعلى كلا المذهبين فلا يستقيم دخول اللام في خبر لكن ، وذلك لأنها إن كانت لام التأكيد فلام التأكيد إنما حسنت مع إنّ لاتفاقهما في المعنى ؛ لأن كل واحدة منهما للتأكيد وأما لكنّ فمخالفة لها في المعنى ، وإن كانت لام القسم فإنما حسنت مع إنّ لأن إنّ تقع في جواب القسم ، كما أن اللام تقع في جواب القسم ، وأما لكن فمخالفة لها في ذلك ؛ لأنها لا تقع في جواب القسم ؛ فينبغي أن لا تدخل اللام في خبرها.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قوله :
* ولكنّني من حبها لكميد* [١٢٩]
فهو شاذّ لا يؤخذ به لقلّته وشذوذه ، ولهذا لا يكاد يعرف له نظير في كلام العرب (١) وأشعارهم ، ولو كان قياسا مطردا لكان ينبغي أن يكثر في كلامهم وأشعارهم ، كما جاء في خبر إنّ ، وفي عدم ذلك دليل على أنه شاذ لا يقاس عليه.
وأما قولهم «إن الأصل في لكنّ إنّ زيدت عليها لا والكاف فصارتا حرفا واحدا» قلنا : لا نسلم ؛ فإن هذا مجرد دعوى من غير دليل ولا معنى.
قولهم «كما زيدت اللام والهاء في قوله :
* لهنّك من عبسية لوسيمة* [١٣٠]
__________________
(١) بل لا يعرف أوله ولا قائله.