.....
______________________________________________________
فقد أراد أن يقول «كأن لون سمائه أرضه» فقلب ، ومثله قول القطامي (الإيضاح ٧٨ والمعاهد ٨٦) :
فلما أن جرى سمن عليها |
|
كما طينت بالفدن السياعا |
السمن ـ بكسر السين وفتح الميم ـ امتلاء الجسم بالشحم ، وطينت : طليت بالطين ، والفدن ـ بالتحريك ـ القصر المنيف ، والسياع ـ بزنة الكتاب ـ الطين المخلوط بالتبن ، وقد أراد أن يقول «كما طليت القصر بالسياع» فقلب ، ومثله قول حسان بن ثابت يصف الخمر :
كأن سبيئة من بيت رأس |
|
يكون مزاجها عسل وماء |
السبيئة : الخمر ، وبيت رأس : بلد بالشام ، ومزاجها : ما يخلط بها ، وقد أراد أن يقول «يكون ما يمزج بها عسلا وماء ـ بجعل مزاجها اسم يكون وعسلا وماء خبرها» فقلب ، ومثله قول عروة بن الورد ، وينسب للعباس بن مرداس السلمي :
فديت بنفسه نفسي ومالي |
|
وما آلوك إلا ما أطيق |
فقد أراد أن يقول «فديته بنفسي ومالي» فقلب ، ومثله قول القطامي من قصيدته التي منها البيت السابق :
قفي قبل التفرق يا ضباعا |
|
ولا يك موقف منك الوداعا |
أراد أن يقول «ولا يك الوداع موقفا منك» فقلب ، وهو أشبه ببيت حسان ، ومثله قول الشاعر ـ وهو من أبيات سيبويه (١ / ٩٢) :
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه |
|
وسائره باد إلى الشمس أجمع |
أضاف مدخلا ـ وهو اسم الفاعل من أدخل ـ إلى الظل ، ثم نصب «رأسه» به على الاتساع والقلب ، وكان الوجه أن يقول : مدخل رأسه الظل ؛ لأن الرأس هو الداخل في الظل ؛ ومثله قول الراعي يذكر ثورا :
فصبحته كلاب الغوث يؤسدها |
|
مستوضحون يرون العين كالأثر |
الغوث : قبيلة من طيّىء ، ويؤسدها : يغريها ، ومستوضحون : فاعل يؤسدها ، وأراد «صيادون مستوضحون» فحذف الموصوف وأبقى الصفة ، والمعنى يغريها صيادون ينظرون هل يرون شيئا ، وقوله «يرون العين كالأثر» هو المقلوب ، وأصله : يرون الأثر كالعين ، ومثل ذلك كله قول ابن مقبل ، وقد أنشده ابن منظور (ه ى ب) :
ولا تهيبني الموماة أركبها |
|
إذا تجاوبت الأصداء بالسحر |
فقد أراد أن يقول «ولا أتهيب الموماة أركبها» فقلب. وقد وقع القلب في شعر المحدثين ؛ فمن ذلك قول أبي تمام الطائي :
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه |
|
وأري الجنى اشتارته أيد عواسل |
البيت في وصف القلم ، واللعاب : الريق ، وهو ماء الفم ، والأفاعي : الحيات ، والأري ـ بفتح الهمزة وسكون الراء ـ ما لزق من عسل النحل في جوف الخلية ، والجنى ـ بوزن الفتى ـ العسل ، وإضافة الأري إليه للتخصيص ؛ لأن الأري يكون أيضا ما لزق بجوف القدر من الطبيخ ، واشتارته : أي استخرجته وقطفته ، وأيد عواسل : أي قاطفة للعسل ، وقد أراد أن يقول «لعابه لعاب الأفاعي» فقلب ، والبصريون يخرجونه على التقديم والتأخير ، ونظيره ـ