بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسّلام على أشرف المرسلين ، الذي بعثه الله بالحنيفية الواضحة والدين القويم ، فهدى الناس من الضلالة وبصّرهم من العمى وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، وعلى آله مصابيح الظلام وهداة الأنام ، وصحبه القادة المغاوير أولي الآراء الراجحة والحجج الواضحة والمنهاج المستقيم ، وعلى من سلك طريقه واقتفى أثره وتبع سنّته إلى يوم الدين.
وأما بعد ؛ فإني منذ أكثر من خمسة عشر عاما كنت قد عنيت بتخريج كتاب «الإنصاف ، في مسائل الخلاف ، بين النحويين البصريين والكوفيين» الذي صنفه الإمام الحجة والعالم الثبت كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد ، الأنباري ، النحوي ، المولود في سنة ٥١٣ ، والمتوفى في سنة ٥٧٧ من الهجرة ، بعد أن قرأت بعض مسائله لأبنائي من طلبة الدراسات العليا في كلية اللغة العربية إحدى كليات الجامع الأزهر ، وعلّقت عليه تعليقات ذات شأن ، ثم رأيت أن أذيع الكتاب مع شرحي عليه الذي أسميته «الإنتصاف ، من الإنصاف» ليكون بين يدي قراء العربية «كتاب لطيف ، يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويّي البصرة والكوفة ، على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة» (١) ، وكان أن قدّمت الكتاب للنّشر ، ولكن أزمة الورق في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقفت حائلا منيعا بين نشر الكتاب مع شرحي عليه ، وكنت بين اثنتين : إما أن أنشر الكتاب وحده وأترك شرحي الذي كابدت فيه ما لا يعلمه إلا الله من الجهد والعناء ، وإما أن أتركهما جميعا حتى يأذن الله بنشرهما معا ، وترددت كثيرا فيما عسى أن أختار من هاتين الخلتين ، وصحّ العزم آخر الأمر على أن أرضى بنشر كتاب «الإنصاف» غفلا مما كتبته عليه ؛ رغبة في أن يعرفه قراء العربية ويروا أنه من أفضل ما صنف علماؤنا في فنون العربية ، فيقبلوا عليه ويرتاحوا له. وظهر الكتاب كما
__________________
(١) من كلام مؤلف «الإنصاف» في وصف كتابه.