فاستغنى بذكر خبر الآخر عن خبر الأول ، وقال درهم بن زيد الأنصاريّ :
[٤٧] نحن بما عندنا ، وأنت بما |
|
عندك راض ، والرّأي مختلف |
______________________________________________________
حيث ذكر الشاعر إن واسمها ، ثم ذكر مبتدأ مرفوعا ، وهو قوله «وقيار» وذكر بعد ذلك خبر إن وهو قوله «لغريب» وحذف خبر المبتدأ ـ وهو قوله «وقيار» ـ لأن معرفة هذا الخبر المحذوف لا تعسر على سامع هذا الكلام ، بل هو متبادر إلى ذهنه من غير تكلف ولا مشقة ، وأصل الكلام : فإني لغريب وقيار كذلك ، أو غريب ، أو مثلي ، أو ما أشبه هذا ، ولا يجوز في هذا البيت أن يكون قوله «لغريب» خبرا لقوله «وقيار» لوجود لام الابتداء في هذا الخبر ، ولام الابتداء تدخل في خبر إن ، ولا تدخل في خبر المبتدأ إلا شذوذا ، كما لا يجوز أن يكون قوله «وقيار» معطوفا على اسم إن ، وذلك من ثلاثة أوجه : الأول : أن اسم إن منصوب ، وهذا مرفوع ، ومن شرط صحة العطف اتفاق المتعاطفين في الإعراب ، والوجه الثاني : أن الذين صح رأيهم ممن جوزوا عطف الاسم المرفوع على اسم إن المنصوب لكون اسم إن مبتدأ في الأصل والمبتدأ مرفوع ، إنما جوزوا ذلك إذا وقع الاسم المرفوع بعد استكمال إن معموليها الاسم والخبر كما في قول الشاعر :
فمن يك لم ينجب أبوه وأمه |
|
فإن لنا الأم النجيبة والأب |
فقد جاء بالاسم المرفوع ـ وهو قوله «والأب» ـ بعد أن أوفى جملة إن حقها ، والوجه الثالث : أنا لو جرينا على القول المرجوح الذي يجوز مجيء الاسم المرفوع معطوفا على اسم إن باعتبار أصله ولو لم تستوف إن معموليها ؛ لم يجز لنا في هذا البيت أن نعطف قوله «وقيار» على اسم إن ؛ لأنه لو عطف على اسم إن لوجب أن يقال : فإني وقيار بها لغريبان ، لأنه حينئذ يكون خبرا عن اثنين.
[٤٧] هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ٣٨) ومغني اللبيب لابن هشام (رقم ٨٧٣) وشواهد إيضاح القزويني (رقم ٩٥ بتحقيقنا) وليس هو لدرهم بن زيد الأنصاري كما ذكر المؤلف ، ولكنه من كلام قيس بن الخطيم ، والاستشهاد به في قوله «نحن وأنت راض» فإن قوله «نحن» مبتدأ ، وخبره محذوف ، وقوله «وأنت» مبتدأ آخر ، وخبره هو قوله «راض» وقد حذف الشاعر خبر المبتدأ المتقدم لدلالة خبر المبتدأ الذي بعده عليه ، وتقدير الكلام : نحن راضون بما عندنا وأنت راض بما عندك ، ولا يجوز أن يكون قوله «راض» خبرا عن المبتدأ المتقدم وحده ، ولا أن يكون خبرا عن «نحن» و «أنت» جميعا ، لكون هذا الخبر مفردا ، ولا يخبر بالمفرد عن الجمع ، ونظير هذا البيت في حذف خبر السابق وذكر خبر الثاني قول الشاعر :
خليلي هل طب فإني وأنتما |
|
ـ وإن لم تبوحا بالهوى ـ دنفان؟ |
فإن قوله «دنفان» يتعين أن يكون خبرا عن «أنتما» ولا يجوز أن يكون خبرا لإن وحدها ، ولا أن يكون خبرا لإن والاسم المرفوع بعدها معا ، وذلك لأن «دنفان» مثنى واسم إن مفرد ، وهو مع الاسم المرفوع بعده جمع ، ولا يجوز أن يخبر بالمثنى عن المفرد ولا عن الجمع.