للتّفضيل والمبالغة ؛ لاشتراك اللّفظين في ذلك ، ألا ترى أنّك لا تقول : «ما أحسن زيدا» ، إلّا لمن بلغ غاية الحسن كما لا تقول : «زيد أحسن القوم» ، إلّا لمن كان أفضلهم في الحسن؟ فلهذه المشابهة بينهما ؛ جاز التّصغير في قوله : «يا أميلح غزلانا!» كما تقول : غزلانك أميلح الغزلان ، وما أشبه ذلك ، والذي يدلّ على اعتبار هذه المشابهة بينهما ، أنّهم حملوا : «أفعل منك ، وهو أفعل القوم» على قولهم : «ما أفعله» فجاز فيهما ما جاز فيه ، وامتنع فيهما ما امتنع فيه ، فلم يقولوا : «هذا أعور منك» ، ولا : أعور القوم» لأنّهم لم يقولوا : «ما أعوره» وقالوا : هو أقبح عورا منك ، وأقبح القوم عورا» كما قالوا : «ما أقبح عوره» وكذلك لم يقولوا «هو أحسن منك حسنا» فيؤكّدوا ، كما لم يقولوا : «ما أحسن زيدا حسنا» فلمّا كانت بينهما هذه المشابهة ، دخله التّصغير حملا على : «أفعل» الذي للتّفضيل والمبالغة.
وأمّا قولهم : إنّه يصحّ كما يصحّ الاسم ، قلنا : التصحيح حصل من حيث حصل التّصغير ، وذلك لحمله على باب : «أفعل» الذي للمفاضلة ، ولأنّه أشبه الأسماء ؛ لأنّه لزم طريقة واحدة ، فلمّا أشبه الاسم من هذين الوجهين ؛ وجب أن يصحّ كما يصحّ الاسم ؛ وشبهه الاسم من هذين الوجهين ، لا يخرجه / ذلك / (١) عن كونه فعلا ، كما أنّ ما لا ينصرف أشبه الفعل من وجهين ، ولم يخرجه / ذلك / (٢) عن كونه اسما ، فكذلك ـ ههنا ـ هذا الفعل ، وإن أشبه الاسم من وجهين ، لا يخرجه عن كونه فعلا ؛ على أنّ تصحيحه غير مستنكر ، فإنّ كثيرا من الأفعال المتصرّفة جاءت مصحّحة ؛ كقولهم : «أغيلت (٣) المرأة ، واستنوق (٤) الجمل ، واستتيست الشاة (٥) ، واستحوذ عليهم» ؛ قال الله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ)(٦) وهذا كثير (٧) في كلامهم ، والذي يدلّ على أنّ تصحيحه لا يدلّ على كونه اسما أنّ «أفعل به» جاء في التّعجّب مصحّحا مع كونه فعلا ؛ نحو : أقوم به ، وابيع به» ، فكما أنّ التّصحيح في : أفعل به ، لا يخرجه عن كونه فعلا ، فكذلك التّصحيح (٨) في «ما
__________________
(١) سقطت من (س).
(٢) سقطت من (ط).
(٣) أغيلت المرأة : إذا حملت وهي ترضع طفلها ؛ ومثلها : استغيلت.
(٤) استنوق الجمل : إذا ذلّ ، وصار كالنّاقة في ذلّها.
(٥) استتيست الشّاة : إذا صارت كالتّيس في عنادها.
(٦) س : ٥٨ (المجادلة ، ن : ١٩ ، مد) ومعنى استحوذ عليهم : غلب عليهم وسيطر.
(٧) في (ط) أكثر ، وما أثبتناه من (س) وهو الأفضل.
(٨) في (ط) الصّحيح.