والوجه الثّاني : أنّ هذه الأشياء لمّا كانت ثابتة في الشّخص ، لا تكاد تتغيّر ، جرت مجرى أعضائه التي لا معنى للأفعال فيها ، كاليد والرّجل وما أشبه ذلك ، فكما لا يجوز أن يقال : ما أيداه ، ولا ما أرجله من اليد والرّجل ، فكذلك لا يجوز أن يقال : ما أحمره و/ لا ما / (١) أسوده ؛ فإن كان المراد بقوله : ما أيداه! من اليد بمعنى النّعمة ، وما أرجله! من الرّجلة (٢) جاز ، وكذلك إن كان المراد بقوله : ما أحمره! من صفة البلادة ، لا من الحمرة ، وما أسوده ، من السّودد ، لا من السّواد جاز (٣) ، وإنّما جاز في هذه الأشياء ؛ لأنّها ليست بألوان ولا خلق.
[علّة استعمال لفظ الأمر في التّعجّب]
فإن قيل : فلم استعملوا لفظ الأمر في التّعجّب نحو «أحسن بزيد» وما أشبهه؟ قيل : إنّما فعلوا ذلك لضرب من المبالغة في المدح.
[الدّليل على أن «أفعل» ليس بفعل أمر]
فإن قيل : فما الدّليل على أنّه ليس بفعل أمر؟ قيل : الدّليل على ذلك أنّه يكون على صيغة واحدة في جميع الأحوال (٤) ، تقول : «يا رجل أحسن بزيد ، ويا رجلان أحسن بزيد ، ويا رجال أحسن بزيد ، ويا هند أحسن بزيد ، ويا هندان أحسن بزيد ، ويا هندات أحسن بزيد» فيكون مع الواحد والاثنين والجماعة والمؤنّث على صيغة واحدة ؛ لأنّه لا ضمير فيه ، ولو كان أمرا ؛ لكان ينبغي أن يختلف في التّثنية فتقول : «أحسنا بزيد» وفي جمع المذكّر : «أحسنوا» وفي إفراد المؤنّث : «أحسني» وفي جمع المؤنّث : «أحسنّ» فتأتي بضمير الاثنين والجماعة والمؤنّث ، فلمّا كان على صيغة واحدة ؛ دلّ على أنّ لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الخبر.
__________________
(١) سقطت من (ط).
(٢) الرّجلة : القوّة على المشيء. القاموس : مادة (رجل) ص ٩٠٣.
(٣) في (س) كان جائزا.
(٤) التزم إفراده ؛ «لأنّه كلام جرى مجرى المثل ، وصار معنى «أفعل به» كمعنى «ما أفعله!» وهو يفيد محض التّعجّب ، ولم يبق فيه معنى الخطاب حتّى يثنّى ، ويجمع ، ويؤنّث باعتبار تثنية المخاطب ، وجمعه ، وتأنيثه». أسرار العربيّة ، ص ١٢٢ / حا ٤ نقلا عن «الموفي في النّحو الكوفي» ص ١٣١.