والذي يدلّ على ذلك أنّهم جوّزوا قطع الهمزة ؛ ليدلّوا على أنّها قد صارت عوضا عن همزة / القطع / (١) ، فلمّا كانت عوضا عن همزة القطع ، وهي حرف من نفس الاسم ، لم يمتنعوا (٢) من أن يجمعوا بينهما.
والوجه الثّاني : أنّه إنّما جاز في هذا الاسم خاصّة ؛ لأنّه كثر في استعمالهم ؛ فخفّ على ألسنتهم ، فجوّزوا فيه ما لا يجوز في غيره.
[علّة إلحاق الميم المشدّدة في لفظ الجلالة]
فإن قيل : فلم ألحقت الميم المشدّدة في آخر هذا الاسم ، نحو «اللهمّ»؟
قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّها عوض من «يا» التي للتّنبيه ، والهاء مضمومة لأنّه نداء ؛ ولهذا ، لا يجوز أن يجمعوا بينهما / فلا / (٣) يقولون «يا اللهمّ» لئلّا يجمعوا بين العوض والمعوّض. وذهب الكوفيّون إلى أنّها ليست عوضا من «يا» وإنّما الأصل فيه «يا الله أمّنا بخير» إلّا أنّه لمّا كثر في كلامهم ، وجرى على ألسنتهم ، حذفوا بعض الكلام تخفيفا ، كما قالوا : «ايش» والأصل فيه : «أيّ شيء» ، وقالوا : «ويلمّه» والأصل فيه : «ويل أمّه» ، وهذا كثير في كلامهم ، فكذلك ههنا. قالوا : والذي يدلّ على أنّها ليست عوضا / عنها / (٤) أنّهم يجمعون بينهما ، قال الشّاعر (٥) : [الرّجز]
إنّي إذا ما حدث ألمّا |
|
أقول يا اللهمّ يا اللهمّا |
__________________
(١) سقطت من (س).
(٢) في (س) لم يجيزوا ، وهو سهو من النّاسخ.
(٣) سقطت من (س).
(٤) سقطت من (س).
(٥) الشّاعر هو : أميّة بن عبد الله بن أبي الصّلت الثّقفيّ ، شاعر جاهليّ من أهل الطّائف ، كان ممّن حرّموا على أنفسهم الخمرة ، ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهليّة ، أدرك الإسلام ، ولم يسلم ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٥ ه. الشّعر والشّعراء : ١ / ٤٥٩ ، والأغاني : ٣ / ١٧٩.
موطن الشّاهد : (يا اللهمّ ، يا اللهمّا).
وجه الاستشهاد : الجمع بين «يا» والميم المشدّدة في «اللهمّ» وهذا يعدّ من باب الضّرورة عند البصريّين. أمّا الكوفيّون ، فتمسّكوا بهذا الشّاهد وأمثاله ؛ ليذهبوا إلى أنّ الميم المشدّدة في «اللهمّ» ليست عوضا من «يا» التي للتّنبيه في النّداء ؛ فلو كانت كذلك ؛ لما جاز أن يجمع بينهما ؛ لأنّ العوض والمعوّض لا يجتمعان ؛ والصّواب ما ذهب إليه البصريّون ؛ لما ذكره المؤلّف في المتن.