الاجماع على ذلك ... وهذا أيضاً من أهم الأسس التي بنوا عليه مذهبهم في الأصول والفروع ، لشدّة اعتنائهم بالأقوال والآثار التي يروونها عن الصحابة الذين يقتدون بهم .. وإنْ كانوا يواجهون الصعوبات في مختلف الأبواب ، ويقعون في التناقضات ، لوجود التناقضات بين الصحابة انفسهم ! لكنْ لا إجماع ، فقد جاء في كلام التفتازاني : « ان ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات ـ على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ـ يدل بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلغ حدّ الظلم والفسق. وكان الباعث له الحقد والعناد ، والحسد واللداد ، وطلب الملك والرياسة والميل الى اللذات والشهوات ، إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبي بالخير موسوماً » (١) وكذا قال آخرون.
والكتّاب المعاصرون ... تناقضوا ... فمن « المشايخ » و « الدكاترة » كمحمد رشيد رضا ، ومحمود أبي رية ، والرافعي ، وطه حسين ، وأحمد أمين ... من يقول بأنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول ، كما قال التفتازاني وجماعة. ومنهم من بقي على قول السّلف ...
* * *
وحول الصحيحين (٢) ... فالمعروف بين السابقين منهم هو القول بصحّة ما جاء في هذين الكتابين من أول حديثٍ إلى آخر حديث ، حتى اشتهر القول بينهم في كتب الرجال بأنّ من أخرج له في الصحيحين فقد جاز القنطرة. ومن السّابقين
__________________
(١) شرح المقاصد ٥ / ٣١٠.
(٢) كتابا البخاري ومسلم عرفا بالصّحيحين ، وذكر لهما من الفضائل والمناقب ما لا تصدّقه العقول ، وقد قال غير واحدٍ منهم : لو حلف رجل بطلاق زوجته في صحة أحاديثهما لم يحنث ، وقد وقع الخلاف بينهم ـ بعد جعلهما أصح الكتب بعد القرآن ـ في ترجيح أحدهما على الآخر ، والمعروف بينهم ترجيح كتاب البخاري.