قال ويقال : ما في الدّارِ عَرِيبٌ ، ولا يقال : بَلَى فيها عَرِيبٌ.
وروى أَبُو طالب عن سلمة عن الفراء قال : أَحَدٌ يكون للجَميع ولِلْوَاحِد في النّفي ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ٤٧) [الحَاقَّة : ٤٧] جعل أَحَداً في موضِع جَمْع ، وكذلك قوله (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البَقَرة : ٢٨٥] فهذا جمْع لأنّ «بَيْن» يَقَعُ إلا على اثْنَيْنِ فما زَاد. وقال والعرب تقول : أنتم حيٌ واحد وحيٌ واحِدُونَ ، قال وموضِعُ واحدينَ وَاحِدٌ وقال الكميت :
فَرَدَّ قَوَاصِيَ الأَحْيَاء منْهُمْ |
فقد أَضْحَوْا كحَيِ وَاحِدِينا |
وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرَاء أنه حكى عن بعض الأعراب : معي عشرةٌ فَاحْدُهُنَ لِيَه ، أي صيِّرْهن لي أحَدَ عَشَرَ ، ونحوَ ذلك قال ابنُ السكيت. قلت : جعل قوله فاحْدُهن ليَهْ من الحَادي لا من أَحَدٍ.
وقال أبو زيد : يقال لا يَقُوم لهذا الأمر إلا ابن إحداهما أي الكريمُ من الرجالِ ، وفي «النوادر» : لا يستطيعها إلا ابنُ إحْدَاتِها ، يعني إلا ابنُ وَاحدَةٍ منها.
وقال ابن السكيت : يقال هذا الحادِيَ عَشَرَ ، وهذا الثاني عَشَرَ وكذلك الثالثَ عَشَرَ إلى العشرين ، مفتوح كله وفي المؤنث هذه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرَة إلى العشرين ، تُدخِلُ الهاءَ فيهما جميعاً.
قلتُ : وما ذكرت في هذا البابِ من الألفاظِ النَّادرة في الأَحَدِ والوَاحِد وإحْدَى والحَادي وغيرِها فإنه يُجْرَى على ما جاءَ عن العرب ولا يُعدى به ما حُكِيَ عنهم لقياس مُتَوَهَّمٍ اطّرادُه ؛ فإنّ في كلامِ العربِ النوادرَ لا تنقاس ، وإنما يحفَظُهَا أهل المعرفة المعنّيون بها ولا يقيسون عليها.
وأمّا اسم الله جلّ ثناؤه أَحَدٌ فإنه لا يوصف شيء بالأحَدِيَّة غيرُه ، لا يقال رَجُلٌ أَحَدٌ ولا دِرْهَمٌ أَحَدٌ ، كما يقال رجل وَحَدٌ أي فَرْدٌ ، لأنّ أحَداً صفةٌ من صفات الله التي استأثر بها ، فلا يَشْركُه فيها شيءٌ ، وليس كقولك : الله واحدٌ ، وهذا شيء واحدٌ ، لأنه لا يقال شيء أحَدٌ وإن كان بعضُ اللغويين قال إن الأصل في الأَحَدِ وَحَدٌ. وقال اللحياني قال الكسائيُّ : ما أنت إلا من الأَحَدِ أي من الناس وأنشد :
وليس يَطْلُبُني في أَمْرٍ غانيه |
إلا كعَمْرُو ما عمرٌو من الأَحَدِ |
قال ولو قلت : ما هو مِنَ الإنسان ، تريد من النَّاس أصَبْتَ.
قال وقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ٦) [الانفِطار : ٦] قيل إنه بمعنى النَّاس ، وأما قولُ الله جلّ وعزّ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ١ ، ٢] فإنّ أكثَرَ القُرّاءِ على تَنْوين (أَحَدٌ) وقد قُرِىءَ بترك التنوين ، وقُرىء بإسكان الدَّال (قل هو الله أحَدْ) وأجودها الرَّفْعُ مع إثبات التنوين في الإدراج ، وإنما كُسر التنوينُ لسكونه وسكون اللّام من الله ، وَمَن حذف التنوين فلالْتقاء الساكنين أيضاً.