من يقول : هذا هنوك ، للواحد في الرفع ، ورأيت هناك ، في النصب ، ومررت بهنيك ، في موضع الخفض ، مثل رأيت أخاك وهذا أخوك ، ومررت بأخيك ، ورأيت أباك ، ومررت بأبيك ، وهذا أبوك ، ورأيت فاك ، وهذا فوك ، ونظرت إلى فيك ، ومثلها رأيت حماك ، ومررت بحميك ، وهذا حموك. قال : ومن النحويين من يقول أصل هَنٌ ، وإذا صغّر ، قيل هُنَيْنٌ ؛ وأنشد :
يا قَاتَلَ اللهُ صِبْياناً تَجِيءُ بِهِمْ |
أُمُ الهُنَيْنَيْنِ مِنْ زندٍ لها واري |
وأَحَدُ الهُنَينين هُنَين ، وتكبير تصغيره هَنٌ ، ثم يخفف فيقال : هَنٌ. قال أبو الهيثم : وَهَنٌ : كناية عن الشيء يُستفحش ذكره ، تقول : لها هَنٌ ؛ تريد : لها حِرٌ ؛ كما قال العماني :
لها هَنٌ مُسْتَهْدَفُ الأركَانِ |
أَقْمَرُ تَطْلِيِهِ بِزَعْفَرَانِ |
|
كأنَّ فيه فِلَقَ الرُّمَّانِ |
فكنَّى عن الحِرِ بالَهنِ ، فافهمه.
قلت : وأهمل الليث حروفاً من مضاعف هن ، فلم يذكر منها شيئاً ؛ فمنها ما أقرأني الإياديّ عن شمر لأبي عبيد عن الأصمعيّ ، قال : الهُنَانَةُ : الشحمة. قال : وقال شمر : يقال : ما بالبعير هُنانة ؛ أي : ما به طِرْقٌ ؛ وأنشد قول الفرزدق :
أَيُفَاتشُونَكَ والعِظَامُ رقيقةٌ |
والمُخُّ مُمْتَخَرُ الهُنَانَةِ رارُ |
قال شمر : وسمعت أبا حاتم يقول : حضرت الأصمعيّ ، وسأله إنسان عن قوله : ما ببعيري هَانّة وهُنانة ، فقال : إنما هو هُتَاتة بتاءين. قال أبو حاتم ، فقلت : إنما هو هانَّة وهُنَانَةٌ ، وبجنبه أعرابي ، فسأله ، فقال : ما الهُتاتة؟ فقال : لعلّك تريد الهُنَانَة ، فرجع إلى الصواب ، قلت : وهكذا سمعته من العرب ، الهُنانة بالنون ، للشحم. وقال غيره : يقال : هَنَ وحَنَّ وأَنَّ ؛ وهو : الهَنِينُ والحَنِينُ والأَنِينُ ، قريب بعضُها من بعض ؛ وأنشد :
لَمَّا رأى الدَّارَ خَلاءً هَنَّا
بمعنى حنّ ؛ أي : بكى ، يقال : هَنَ الرجل يهن : إذا بكى ؛ أي : حن ، أو أنّ ، ويقال : الحنين أرفع من الأنين ؛ وقال الآخَرُ :
لا تَنْكِحْنَ أبداً هَنّانَهْ |
عُجَيِّزاً كأنَّها شَيْطَانَهْ |
يريد بالهنَّانة التي تبكي وتَئِنّ. أبو عبيد عن أبي عمرو : يُقَال : اجْلِس هَهُنَا ؛ أي : قريباً ، وتنحَ ههنا ؛ أي : أبعد قليلاً. قال : وهَهُنَّا أيضاً ، تقوله قيس وتميم : قلت : وسمعت جماعة من قيس يقولون : اذهب هاهُنَّا ، بفتح الهاء ، ولم أسمَعْها بالكسر من أحد ؛ أنشد ابن السّكِّيت :
حنَّتْ نَوَارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ |
وَبَدا الذي كانت نوارُ أَحنَّتِ |
أي : ليس ها هُنَا موضعُ حَنِينٍ ، ولا في موضع الحنين حنَّتْ ؛ وأنشد لبعض الرّجاز :