قيّض صاحبها المولى جلّت قدرته ، وبلّغ عنه نبيّه الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هي التي أخبر به النبيّ الأعظم من أوّل يومه فقال : «إنّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (١) فهي إمرة إلهيّة لا تتمّ إلاّ بالنصّ وليس لصاحبها أن ينزعها» ، هي التي قرنت بولاية الله ورسوله في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٢) وهي التي أكمل الله بها الدين وأتمّ بها النعمة (٣) وشتّان بينها وبين رجال الانتخاب وإن كان دستوريّا.
وأمّا ما ارتآه المتجمهرون وعبثت به الميول والشهوات ، فهي سلطة عادية يفوز بها المتغلّبون ، وبيد الأُمّة حلّها وعقدها ، والغاية منها عند من يحذو حذو الخليفة في جملة من الصولات : كلاءة الثغور ، واقتصاص القاتل ، وقطع المتلصّص ، إلى آخر ما مرّ تفصيله في الجزء السابع (صفحة ١٣١ ـ ١٥٢) وليس في عهدة المتسلّق على عرشه تبليغ الأحكام ، وترويض النفوس ، وتهذيب الأخلاق ، وتعليم الملكات الفاضلة ، وتربية الملأ في عالم النشوء والارتقاء ، فإنّ تلكم الغايات في تلكم السلطات تحصل بمن هو خلو عن ذلك كلّه كما شوهد فيمن فاز بها عن غير نصّ إلهيّ.
يوم الدار والقتال فيها
أخرج ابن سعد في طبقاته (٤) (٥ / ٢٥) طبع ليدن ؛ من طريق أبي حفصة مولى مروان ، قال : خرج مروان بن الحكم يومئذ يرتجز ويقول : من يبارز؟ فبرز إليه عروة ابن شييم بن البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف فخرّ لوجهه ، فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي بسكّين معه ليقطع رأسه ، فقامت إليه أمّه التي أرضعته وهي
__________________
(١) مرّ حديثه في الجزء السابع : ص ١٣٤. (المؤلف)
(٢) راجع ما مضى في الجزء الثاني : ص ٤٧ ، والجزء الثالث : ص ١٥٥ ـ ١٦٢. (المؤلف)
(٣) راجع الجزء الأوّل من كتابنا هذا : ص ٢٣٠ ـ ٢٣٨. (المؤلف)
(٤) الطبقات الكبرى : ٥ / ٣٧.