نظرة في مناقب عثمان
الواردة في الصحاح والمسانيد
إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟ لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسيّاته ومقداره ، والغاية من هذا الإسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياساً في أمره نردّ إليه كلّ ما يؤثر في حقّه فإن ساوى المقياس أثبتناه ، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنّه من الغلوّ في الفضائل.
وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق ، وعرامة في الطباع ، وعرارة في الشكيمة ، وشرّة في الغرائز ، وفظاظة في الأعمال ، وتعسّف في الحكم ، واتّباع للشهوات ، وميل عن الحقّ ، ودناءة في النفس ، وسقطة في الرأي ، وسرف في القول ، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه ممّا لا تحمد فعليّته ولا عقباه ، لا يدع الباحث أن يخضع لشيء ممّا قيل أو تقوّل فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.
كما أنّ آراء الصحابة الأوّلين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة (٦٩ ـ ١٦٨) لا تدع مجالاً للبحث عن صحّة تلكم المفتعلات فضلاً عن إثباتها ، وأنّك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط ، وذلك ممّا يُعطي أنّها من صنائع معاوية للخليفة المقتول الذي اتّخذ أمره سلّماً إلى ما كان يبتغيه من المرتقى ، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن ، من بني أُميّة عامّة ، ومن آل أبي العاص خاصّة ، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أيّ تمحّل في تصحيحها.