على أنّه لم يتقاعد عن المقاتلة أيضاً بمن كان معه من حثالة بني أُميّة فقد بذلوا كلّ ما حووه من بسالة وشجاعة ، غير أنّ القضاء الحاتم أخزاهم وحال بينهم وبين النجاح ، إلى أن لجأوا إلى أمّ حبيبة فجعلتهم في كندوج ثمّ خرجوا من المدينة هاربين.
ثمّ هب أنّ عائشة كانت نسيت ما روته حين ألّبت الجماهير على عثمان وأمرت بقتله وسمّته نعثلاً كافراً ، فهل بقيّة الرواة وهم : عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرّة البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان؟ أو أنّهم ما كانوا يروونها يومئذٍ ثمّ اقتضت الظروف أن يرووها؟ أو أنّها اختلقت بعدهم على ألسنتهم؟
ولو كان لهذه الكلمات المعزوّة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من قوله : عليكم بالأمين وأصحابه ، وقوله : اتّبعوا هذا وأصحابه ، وقوله : اتّبع هذا الرجل فإنّه يومئذٍ ومن اتّبعه على الحقّ ـ مقيلٌ من الصحّة لاستدعى أن يفيضها على الصحابة كلّهم ، لأنّ قضيّتها انّ تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلّة ، وأنّ عثمان عندئذٍ في جانب الحقّ ، وما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالذي يشحّ على أُمّته بالإرشاد إلى ما فيه هدايتهم وصلاحهم الديني ، وهو مقيّض لذلك ومبعوث لأجله ، فلما ذا لم يروها غير هؤلاء؟ ولا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم؟ وهل كان إلقاؤها عليهم مسارة لا يطّلع عليها أحد؟ ولما ذا ترك هؤلاء الاحتجاج بها يوم الدار؟ وفي القوم ـ وهم الأكثرون ـ من إن يسمع بها لا يتباطأ عن الخضوع للأمر النبويّ المطاع.
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (١) ، (إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (٢).
__________________
(١) المؤمنون : ٦٨.
(٢) سورة ص : ٧.