فرجع وهو يقول : قطعت رحمي وخذلتني وجرّأت الناس عليّ. فقلت : والله إنّي لأذبّ الناس عنك ، ولكنّي كلّما جئتك بهنةٍ أظنّها لك رضاً جاء بأخرى ، فسمعت قول مروان عليّ واستدخلت مروان». قال : ثمّ انصرف إلى بيته ، فلم أزل أرى عليّا منكّباً عنه لا يفعل ما كان يفعل (١).
عهد آخر بعد حنث الأوّل :
أخرج الطبري من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه ، قال : كتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ، ويحتجّون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه ، أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ الله ، فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته ، فقال لهم : قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى عليّ بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردّهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده ، فقال : إنّ القوم لن يقبلوا التعليل ، وهم محمّلي عهداً وقد كان منّي في قدمتهم الأولى ما كان ، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به.
فقال مروان بن الحكم : يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب ، فأعطهم ما سألوك ، وطاولهم ما طاولوك ، فإنّما هم بغوا عليك فلا عهد لهم.
فأرسل إلى عليّ فدعاه ، فلمّا جاءه قال : يا أبا حسن إنّه قد كان من الناس ما قد رأيت ، وكان منّي ما قد علمت ، ولست آمنهم على قتلي ، فارددهم عنّي ، فإنّ لهم الله عزّ وجلّ أن أُعتبهم من كلّ ما يكرهون ، وأن أُعطيهم الحقّ من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي.
فقال له عليّ : «الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، وإنّي لأرى قوماً
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١١٢ [٤ / ٣٦٣ حوادث سنة ٣٥ ه] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٩٦ [٢ / ٢٨٦ حوادث سنة ٣٥ ه]. (المؤلف)