لا يرضون إلاّ بالرضا ، وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهداً من الله لترجعنّ عن جميع ما نقموا ، فرددتهم عنك ، ثمّ لم تفِ لهم بشيء من ذلك ، فلا تغرّني هذه المرّة من شيء ، فإنّي معطيهم عليك الحقّ».
قال : نعم ، فأعطهم فو الله لَأَفِينّ لهم.
فخرج عليّ إلى الناس ، فقال : «أيّها الناس إنّكم إنّما طلبتم الحقّ فقد أُعطِيتموه ، إنّ عثمان قد زعم أنّه منصفكم من نفسه ومن غيره ، وراجع عن جميع ما تكرهون ، فاقبلوا منه ووكّدوا عليه». قال الناس : قد قبلنا ، فاستوثق منه لنا ، فإنّا والله لا نرضى بقول دون فعل. فقال لهم عليّ : «ذلك لكم». ثمّ دخل عليه فأخبره الخبر ، فقال عثمان : اضرب بيني وبينهم أجلاً يكون لي فيه مهلة ، فإنّي لا أقدر على ردّ ما كرهوا في يوم واحد ، قال له عليّ : «ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه ، وما غاب فأجله وصول أمرك» ، قال : نعم ، ولكن أجّلني في ما بالمدينة ثلاثة أيّام. قال عليّ : «نعم». فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك ، وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً أجّله فيه ثلاثاً على أن يردّ كلّ مظلمة ، ويعزل كلّ عامل كرهوه ، ثمّ أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق ، وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار ، فكفّ المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه.
فجعل يتأهّب للقتال ويستعدّ بالسلاح ، وقد كان اتّخذ جنداً عظيماً من رقيق الخمس ، فلمّا مضت الأيّام الثلاثة وهو على حاله لم يغيّر شيئاً ممّا كرهوه ، ولم يعزل عاملاً ، ثار به الناس ، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى المصريّين وهم بذي خُشب ، فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة ، فأرسلوا إلى عثمان : ألم نفارقك على أنّك زعمت أنّك تائب من إحداثك ، وراجع عمّا كرهنا منك ، وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه؟ قال : بلى أنا على ذلك. قال : فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك؟ الحديث (٢).
__________________
(٢) تاريخ الطبري : ٥ / ١١٦ [٤ / ٣٦٩ حوادث سنة ٣٥ ه] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٧١ و ٧٢ [٢ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ حوادث سنة ٣٥ ه] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٦٦ [٢ / ١٤٩ خطبة ٣٠]. (المؤلف)