وإن كانت من حيث الحسب ففرق بينهما فيه بعد المشرقين ولا حرج ، هذا حسيب. وذلك مُقشَّب (١) الحسب؟ وإن كان من جهة الملكات الفاضلة والنفسيّات الكريمة فالمشاكلة منتفية وهما طرفا نقيض ، هذا ناصح الجيب ، واري الزند (٢) لعلى خلق عظيم ، والآخر يحمل منها بين جنبيه ما عرّفناك حديثه.
ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما شاسع أيضاً ، فالنبيّ الأقدس مثلاً عندهم كما مرّ كان يكشف في الملأ عن ركبتيه وعن فخذيه وعمّا هو بينهما وبين سرّته ولم يكن يبالي. وعثمان إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق ، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء ، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه ، كما مرّ في حديث الحسن (ص ٢٨٧).
وإن فرضت المشاكلة من جانب الأخذ بالدين والعمل بما فيه من أفعال أو تروك ، فالتباين بينهما ظاهر وأيّ تباين (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) (٣) هذا رسول التوحيد أسلم وجهه لله وهو محسن ، يعبد ربّه مخلصاً له الدين تحت راية لا إله إلاّ الله ، وقرط أُذنه قوله تعالى (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) (٤) ، وورد لسانه : (وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) (٥) ، وأمّا عثمان فهو أسير هوى مروان ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من أبناء بيته ، يسير مع ميولهم وشهواتهم ، حتى قال مولانا أمير المؤمنين : «ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحويلك عن دينك وعقلك ، وإنّ مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يُسار
__________________
(١) المقشَّب : الممزوج الحسب باللؤم.
(٢) رجل ناصح الجيب أي صادق أمين ، نقيّ القلب لا غشّ فيه. ويقال : واري الزند. في المبالغة في الكرم والخصال المحمودة. (المؤلف)
(٣) الزمر : ٢٩.
(٤) الأنعام : ٩١.
(٥) هود : ٨٨.