ظلمة العدم وظهور نور الوجود ، استخدم هذا التعبير فيما يخصّ الخلق ، خصوصا إذا لا حظنا ما يقوله العلم الحديث من نظريات تشير إلى أنّ مجموعة عالم الوجود كانت في البدء كومة واحدة ثمّ انشقّت تدريجيّا عن بعضها.
وإطلاق كلمة «فاطر» على الله سبحانه وتعالى ، يعطي للكلمة مفهوما جديدا وأكثر وضوحا. نعم فنحن نحمد الله ونشكره على خالقيته ، لأنّ كلّ ما هو موجود منه تعالى ، وليس لأحد ممّن سواه شيء من ذاته (١).
ولأنّ تدبير امور هذا العالم قد نيطت من قبل الباري عزوجل ـ بحكم كون عالمنا عالم أسباب ـ بعهدة الملائكة ، فالآية تنتقل مباشرة إلى الحديث في خلق الملائكة وقدراتها العظيمة التي وهبها الله إيّاها!
(جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
هنا تطرح ثلاثة أسئلة :
الأوّل : ما هي رسالة الملائكة التي ورد ذكرها في الآية؟ هل هي رسالة تشريعية وجلب الأوامر من الباري إلى الأنبياء ، أم أنّها رسالة تكوينية ، أي تحمّل مسئولية المأموريات المختلفة في عالم الخلق ، كما سترد الإشارة إليه لاحقا ، أم يقصد منه الاحتمالان؟
يتّضح من ملاحظة ما ورد في الجملة الاولى ، من الحديث حول خلق السموات والأرض ، وما ورد في الجملة الأخيرة من الحديث حول الأجنحة المتعدّدة للملائكة ، والتي تدلّ على قدرتهم ، وكذلك بملاحظة إطلاق مفهوم «الرسالة» بالنسبة إلى جميع الملائكة (يلاحظ أنّ الملائكة لفظة جمع لاقترانها بالألف واللام وتدلّ على العموم) يتّضح من ذلك كلّه أنّ المقصود من الرسالة
__________________
(١) فيما يخصّ معنى «فاطر» و «فطر» تحدّثنا في ذيل الآية العاشرة من سورة إبراهيم ، وكذلك في تفسير الآية (١٤) من سورة الأنعام.