ثابت ، لا يقبل التبديل ولا التحويل (١).
آخر ما نريد التوقّف عنده هو أنّ الآية تضيف «سنّة» إلى لفظ الجلالة «الله» وفي موضع آخر من نفس الآية تضيف «سنّة» إلى «الأوّلين» ويظهر في بادئ الأمر وجود تنافي بين الحالتين ، ولكن الأمر ليس كذلك ، لأنّه في الحالة الاولى أضيفت «سنّة» إلى «الفاعل» ، وفي الحالة الثانية أضيفت «سنّة» إلى «المفعول به».
ففي الحالة الاولى تعبير عن مجري السنّة ، وفي الثانية عمّن أجريت عليه السنّة.
الآية التالية تدعو هؤلاء المشركين والمجرمين إلى مطالعة آثار الماضين والمصير الذي وصلوا إليه ، حتّى يروا بأمّ أعينهم في آثارهم ومواطنهم السابقة جميع ما سمعوه ، وبذا يتحوّل البيان إلى العيان. فتقول الآية الكريمة : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
فإذا كانوا يتصوّرون أنّهم أشدّ قوّة من أولئك فهم على اشتباه عظيم تلك ، لأنّ الأقوام السالفة كانت أقوى منهم : (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
فالفراعنة الذين حكموا مصر ، ونمرود الذي حكم بابل ودولا اخرى بمنتهى القدرة ، كانوا أقوياء إلى درجة لا يمكن قياسها مع قوّة مشركي مكّة.
إضافة إلى أنّ الإنسان مهما بلغ من القوّة والقدرة ، فإنّ قدرته وقوّته لا شيء إزاء قوّة الله ، لماذا؟ لأنّه (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (٢) فهو العليم القدير ، لا يخفى عليه شيء ، ولا يستعصي على قدرته شيء ، ولا يغلبه أحد ، فلو تصوّر هؤلاء المستكبرون الماكرون أنّهم يستطيعون
__________________
(١) جمع من المفسّرين فسّروا «تحويل» هنا بمعنى «نقل مكان العذاب» بمعنى أنّ الله سبحانه وتعالى ينقل عقوبته من شخص لينزلها على شخص آخر. ومع ملاحظة أنّ هذا التّفسير لا ينسجم على ما يبدو مع الآية أعلاه ، فالحديث ليس عن نقل العذاب من شخص إلى آخر ، بل عن عدم قبول السنن للزيادة والنقص أو التغيير والتبديل ، فكأنّ هؤلاء المفسّرين خلطوا بين كلمتي «تحوّل» و «تحويل» ، وقد ورد في بعض متون اللغة كمجمع البحرين «التحويل : تصيير الشيء على خلاف ما كان. والتحوّل : التنقّل من موضع إلى موضع».
(٢) جملة «ليعجزه» كما ذكرنا سابقا من مادّة «عجز» وهي هنا بمعنى : يجعله عاجزا ، لذا ففي كثير من المواضع جاءت بمعنى الفرار من قدرة الله ، أو بمعنى عدم التمكّن من شخص.