وعليه فإنّ الآية أعلاه ليس فيها ما ينافي عصمة الأنبياء إطلاقا.
الثاني : هل أنّ التعبير بـ «دابّة» في الآية أعلاه يشير إلى شمول غير البشر ، أي أنّ تلك الدواب أيضا سوف تتعرّض للفناء نتيجة إيقاع الجزاء على البشر؟!
الجواب على هذا السؤال يتّضح إذا علمنا أنّ أصل فلسفة وجود الدواب هو تسخيرها لمنفعة الإنسان ، فإذا انعدم الإنسان من سطح الكرة الأرضية فليس من داع لوجود تلك الدواب (١).
وأخيرا نختم هذا البحث بالحديث التالي الوارد عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يقول : «سبق العلم ، وجفّ القلم ، ومضى القضاء ، وتمّ القدر بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل ، وبالسعادة من الله لمن آمن واتّقى ، وبالشقاء لمن كذّب وكفر ، وبالولاية من الله عزوجل للمؤمنين ، وبالبراءة منه للمشركين» ثمّ قال : «إنّ الله عزوجل يقول : يا ابن آدم ، بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبقوّتي وعصمتي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، وأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بذنبك منّي ، الخير منّي إليك واصل بما أوليتك به ، والشرّ منك إليك بما جنيت جزاء ، وبكثير من تسلّطي لك انطويت على طاعتي ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي ، تلي الحمد والحجّة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء الحسن عندي بالإحسان. لم أدع تحذيرك ولم آخذك عند غرّتك ، وهو قوله عزوجل : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) لم اكلّفك فوق طاقتك ، ولم احمّلك من الأمانة إلّا ما قرّرت بها على نفسك ، ورضيت لنفسي منك ما رضيت به لنفسك منّي ، ثمّ قال عزوجل : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ
__________________
(١) «دابة» من مادة «دب» والدب والدبيب مشي خفيف ، ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ، ويستعمل في كل حيوان وإن اختصت في التعارف بالخيل. وكذلك تطلق كلمة «الدواب» خاصة على الحيوانات التي تستعمل للركوب.