الغلل (على وزن عمل) للماء الجاري بين الشجر. و «الغل» الحلقة حول العنق أو اليدين وتربط بعد ذلك بسلسلة ، وبما أنّ العنق أو اليدين تقع في ما بينها فقد استعملت هذه المفردة في هذا المورد ، وحينا تكون الأغلال في العنق مربوطة بسلسلة مستقلّة عمّا تربط به أغلال الأيدي ، وحينا تكون جميعها مربوطة بسلسلة واحدة فيكون الشخص بذلك تحت ضغط شديد وفي محدودية وعذاب شديدين.
وإذا قيل لحالة العطش الشديد أو الحسرة والغضب «غلة» فإنّ ذلك لنفوذ تلك الحالة في داخل قلب وجسم الإنسان ، وأساسا فإنّ مادّة «غل» ـ على وزن جدّ ـ بمعنى الدخول أو الإدخال ، لذا قيل عن حاصل الكسب أو الزراعة وأمثالها «غلة» (١).
وقد تكون حلقة «الغل» حول الرقبة عريضة أحيانا بحيث تضغط على الذقن وترفع الرأس إلى الأعلى ، من هنا فإنّ المقيّد يتحمّل عذابا فوق العذاب الذي يتحمّله من ذلك القيد بأنّه لا يستطيع مشاهدة أطرافه.
ويا له من تمثيل رائع حيث شبّه القرآن الكريم حال عبدة الأوثان المشركين بحال هذا الإنسان ، فقد طوّقوا أنفسهم بطوق «التقليد الأعمى» ، وربطوا ذلك بسلسلة «العادات والتقاليد الخرافية» فكانت تلك الأغلال من العرض والاتّساع أنّها أبقت رؤوسهم تنظر إلى الأعلى وحرمتهم بذلك من رؤية الحقائق ، وبذلك فإنّهم أسرى لا يملكون القدرة والفعّالية والحركة ، ولا قدرة الإبصار (٢).
على أيّة حال فإنّ الآية الذي أعلاه ، تعتبر شرحا لحال تلك الفئة الكافرة في الدنيا وحالهم في عالم الآخرة الذي هو تجسيد لمسائل هذا العالم ، وليس من الغريب استخدام صيغة الماضي في تصوير حال الآخرة هنا ، فإنّ الكثير من الآيات
__________________
(١) مفردات الراغب ، وقطر المحيط ، ومجمع البحرين ، مادّة غل.
(٢) على ما أوردناه أصبح واضحا أنّ الضمير «هي» في جملة (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) يعود على «الأغلال» بحيث إنّها رفعت أذقانهم إلى الأعلى ، وجملة «فهم مقمحون» تفريع على ذلك. وما احتمله البعض من أنّ «هي» تعود على «الأيدي» التي لم يرد ذكرها في الآية ، يبدو بعيدا جدّا.