احتمل المفسّرون عدّة وجوه :
الأوّل : أنّه يعود على «أصحاب القرية» الذين تحدّثت الآيات السابقة حولهم.
والثاني : أنّه يعود على «أهل مكّة» الذين نزلت هذه الآيات لتنبيههم.
ولكن يستدلّ من الآية السابقة (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ...) على أنّ المقصود هو جميع البشر ، إذ أنّ كلمة «العباد» في الآية المذكورة تشمل جميع البشر على طول التاريخ ، الذين ما إن جاءهم الأنبياء حتّى هبّوا لمخالفتهم وتكذيبهم والاستهزاء بهم ، وعلى كلّ حال فهي دعوة لجميع البشر بأن يتأمّلوا في تأريخ القدماء ، ويعتبروا من آثارهم التي خلّفوها ، بفتح قلوبهم وبصائرهم.
في آخر الآية يضيف تعالى : (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (١).
أي أنّ المصيبة الكبرى في استحالة رجوعهم إلى هذه الدنيا لجبران ما فاتهم وتبديل ذنوبهم حسنات ، لأنّهم دمّروا كلّ الجسور خلفهم ، فلم يبق لهم سبيل للرجوع أبدا.
هذا التّفسير يشبه بالضبط ما
قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) حينما تحدّث في أخذ العبرة من الموتى فقال : «لا عن قبيح يستطيعون انتقالا ولا في حسن يستطيعون ازديادا». (٢)
وتضيف الآية التالية (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (٣).
أي أنّ المسألة لا تنتهي بهلاكهم وعدم استطاعتهم العودة إلى هذه الدنيا ، كلّا فانّ الموت في الحقيقة بداية الشوط وليس نهايته ، فعاجلا سيحضر الجميع في
__________________
(١) هذه الجملة بدل عن «كم أهلكنا» والتقدير «ألم يروا أنّهم إليهم لا يرجعون» البعض احتمل أيضا أنّ الجملة حالية (حال الهالكين).
(٢) نهج البلاغة ، خطبة ١٨٨.
(٣) المعروف بين المفسّرين حول تركيب هذه الآية : «إنّ» نافية. والبعض قال : إنّها مخفّفة لذا فإنّها لا تنصب ما بعدها ، و «لمّا» بمعنى «إلّا» ، بلحاظ أنّ ذلك ورد في كلام العرب ، و (جميع) بمعنى «مجموع» خبر «كلّ» (تنوين كل) بدل عن مضاف إليه محذوف تقديره «هم» والأصل «كلّهم») و «محضرون» إمّا خبر بعد خبر ، أو صفة لـ «جميع» وعلى ذلك تكون الجملة في التقدير هكذا «وما كلّهم إلّا مجموعون يوم القيامة محضرون لدينا».